هل يوازن ترامب بين الأهداف والوسائل في الملف الإيراني؟

هل يوازن ترامب بين الأهداف والوسائل في الملف الإيراني؟


رأى المستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دنيس روس أن هناك شكوك حول ما يوجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السياسة الخارجية .
وكتب روس في «ذا ناشونال إنترست» أنه يحق لترامب المجادلة بشكل مشروع بأن رحلته ستؤتي ثمارها ليس اقتصادياً فحسب، بل سياسياً أيضاً، من خلال تقريب دول منطقة الشرق الأوسط من الولايات المتحدة، لا سيما في ضوء الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة التي ستحد من المجالات التي ستتمكن الصين من منافسة أمريكا فيها عبر المنطقة. لكن على مستوى التوفيق بين الوسائل والأهداف في السياسة الخارجية، تصبح الصورة أقل وضوحاً. يمكن أخذ الرسوم الجمركية كمثل. 

عن طبيعة الأهداف
الرسوم الجمركية وسيلة وليست غاية، ويبدو أن لدى ترامب 3 أهداف محتملة: تصحيح شروط التجارة وزيادة فرص الوصول إلى الأسواق، وإعادة هيكلة اقتصاد الولايات المتحدة وإعادة إحياء التصنيع، أو زيادة إيرادات الخزانة الأمريكية وسد العجز وخفض الضرائب. الهدفان الأول والثالث قابلان للتحقيق، لكن الهدف الثاني الذي يعكس أجندة شعبوية اقتصادية غير قابل للتحقيق بشكل شبه مؤكد.
يشير طرح ترامب لمطالب قصوى في البداية ثم تراجعه عنها إلى أنه، وبغض النظر عن أقواله، تبقى أهدافه الحقيقية إعادة التوازن في شروط التجارة وتوليد الإيرادات. وهذا منطقي، وقد يحقق إنجازاً ملموساً في كلا الهدفين. إذا كانت المكاسب كبيرة بما يكفي، فقد تبرر الاضطراب الذي يحدثه.

انسداد أفق.. في الظاهر
من المحتمل أيضاً أن يؤثر عدم وضوح الأهداف على رغبته بعقد صفقة مع الإيرانيين بشأن برنامجهم النووي. يقول الرئيس إن إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي. ما الذي يتطلبه ضمان هذه النتيجة؟.
صرح مستشار الأمن القومي السابق مايك والتز بأن على الإيرانيين تفكيك بنيتهم التحتية النووية بالكامل. أما ماركو روبيو، خليفته ووزير الخارجية، فقد حدد هدفاً أكثر محدودية، قائلاً إن بإمكان إيران أن تمتلك برنامجاً نووياً مدنياً، لكن من دون قدرات تخصيب محلية. تراجع ستيف ويتكوف، مفاوض الرئيس، عن موقفه الأولي القائل بإمكانية تخصيب الإيرانيين لمستويات منخفضة، وهو الآن يُكرر موقف روبيو. يقول الإيرانيون إنهم لا يريدون سلاحاً نووياً وسيُقلصون مخزوناتهم من اليورانيوم العالي التخصيب، وسيسمحون بمراقبة التزاماتهم، لكنهم لن يتخلوا عن التخصيب المحلي.

الاتفاق ممكن
في حين يقترح هذا طريقاً مسدوداً، ثمة أسباب للاعتقاد بأن التوصل إلى اتفاق لا يزال ممكناً. من ناحية، يحتاج الإيرانيون إلى اتفاق. فهم يعانون من مشاكل اقتصادية عميقة وعملة فقدت معظم قيمتها وتحديات مائية حادة ونقص في الكهرباء وجمهور منعزل لا يزال غاضباً من قمع النظام للنساء والفتيات في قضية إلزامية الحجاب.
وإذا لم يكن ذلك كافياً فإن إيران مُعرضة بشكل خاص للهجوم لأن الإسرائيليين دمروا دفاعاتها الجوية الاستراتيجية، وسيستغرق إعادة بنائها وقتاً. من ناحية أخرى، يريد ترامب التوصل إلى اتفاق. قد تكون التجارة أولويته الأولى، لكن إنهاء الحروب لا شنها يأتي في مرتبة ثانية قريبة.
 نعم، حتى مع تأكيده على رغبته في التوصل إلى اتفاق، يهدد الإيرانيين بأنه إذا لم يتم إبرام اتفاق، فسيكون ذلك «غير سار» لهم.
لكن خلال خطابه في الرياض، لم يتحدث إلا عن «ضغط أقصى» بمعنى قطع عائدات النفط الإيرانية. ومع تكرار الرئيس على ما يبدو لتعليقات ويتكوف حول التدخليين في خطابه بالرياض، يُطرح سؤال عما إذا كان مستعداً حقاً لاستخدام القوة - سواء كانت أمريكية أم إسرائيلية - ضد إيران.

ما تخشاه إيران
قد يكون ذلك مفهوماً، ولكن إذا لم يكن هدفه تخصيب اليورانيوم محلياً، فعليه استخدام الوسائل التي من المرجح أن تحدث تغييراً في الموقف الإيراني. بالنظر إلى انشغال النظام بنجاته، خشيت إيران من صراع مباشر مع أمريكا. 
إدراكهم أن ترامب مستعد حقاً لاستخدام القوة بهدف تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية – وقد بنوها على مدى الأربعين عاماً الماضية بتكلفة نصف تريليون دولار – قد يدفعهم إلى التنازل عن التخصيب. لكن سيبذل الإيرانيون جهوداً عظيمة لإقناع ويتكوف وترامب بأن الإصرار على عدم التخصيب سيمنع التوصل إلى اتفاق، ويخاطر بنشوب صراع.
فهل سيظل مطلب عدم التخصيب خطاً أحمر في مثل هذه الظروف؟، وهل ستصبح الطرق البديلة لضمان تخلي إيران عن خيار الأسلحة النووية – وهو أمر سمح لهم الاتفاق النووي لأوباما بتأجيله من دون التنازل عنه – محور الاهتمام؟، ينبغي أن يكون كذلك. 
يجب أن يكون تخلي إيران عن خيار الأسلحة النووية هدف ترامب، وبينما يُعد إنهاء التخصيب المحلي أفضل طريقة لضمان ذلك، ثمة بديل هو تقليل حجم البنية التحتية بحيث يُســـــمح لإيران فقط بقدرة تخصيب بحثية صغيرة مع عدد محدود من أجهزة الطرد المركـــــزي، من دون أجهــــــزة الطرد المركزي المتطورة.
بشكل بديل، قد يتطلب الاتفاق شحن جميع المواد المخصبة فوراً إلى خارج البلاد، بحيث لا تنتج إيران قضبان الوقود، بل تحصل عليها فقط من مصادر خارجية. هذا البديل يعني أن إيران لن تتمكن من تجميع أي مواد انشطارية في البلاد. 
سيتطلب أي من هذين البديلين مراقبة مكثفة للغاية بدون بنود غروب.

عرقلة أخرى
ليس غياب الأهداف الواضحة حكراً على ترامب. في كثير من الأحيان، افتقر كل من الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين إلى أهداف واضحة لأسباب متنوعة: فشلوا في التفكير ملياً بأهدافهم (باراك أوباما في ليبيا)، أو لم يفهموا معنى أهدافهم على المدى الطويل (جورج بوش الابن في العراق)، أو تبنّوها لأسباب سياسية (ليندون جونسون في فيتنام)، أو قبلوها بمستوى عالٍ جداً من العمومية، مما جعل تنفيذها صعباً (ترامب في غزة). وكما هو الحال في كل إدارة، يحتاج الرئيس إلى من حوله للمساعدة في ضمان أن تتناسب الأهداف مع مصالح أمريكا وقابليتها للتنفيذ. بحسب الكاتب، ثمة عامل آخر قد يعيق حنكة ترامب السياسية: غريزة المطالبة بأقصى المطالب ثم التراجع عنها. بشكل حتمي، سيلاحظ المستهدَفون بهذه المطالب نمطاً معيناً وسيتكيفون معه. ومع ذلك، يدرك ترامب غريزياً معنى النفوذ. والتحدي الذي يواجهه هو تطبيقه على أهداف واضحة، واستخدام جميع الأدوات – وليس بعضها فقط – لتحقيقها.