حكايات على مائدة العشاء
أصعب توقيع
هناك توقيع أشد مرارة وظلما، عندما يرغم الشخص على توقيع استقالته والتنحي عن وظيفته، التوقيع الإلزامي والعنيف ليجد نفسه في الهاوية بلا مأوى ولا سند لمجرد أنه شريف لا يجاري عصابة النفاق ومدعي الشرف وهم لصوص، ليشعر حينها بالقهر لأنهم أقوى منه وطردوه كما يطرد المطهرون من قريتهم غير الطاهرة، مأساة التوقيع تكمن في الإرغام عليه. مع كل ما سبق من نماذج التوقيع المذلة، والمبنية على القهر والظلم إلا أن هناك توقيع أشد ظلما وأكثر قهرا، التوقيع الذي يطلب من الشخص تحديد حياة شخص آخر، عندما ترقد الأم على سرير بغرفة العناية المركزة بين الحياة والموت، وبعد أيام من الصمت المرير والسكوت الذي لم يعقبه كلام، يأتي التقرير الطبي ليبين حالتها الصحية بان كل وظائف الجسد تعمل وبمجرد منع الأكسجين عنها ستفارق الحياة، ويعلن الأطباء انها متوفاة اكلينيكيا وعلى الابن اتخاذ القرار والتوقيع على رفع الأجهزة، في تلك اللحظة يقف الابن حزينا تائها يتمنى لو كان في كابوس سينتهى أو كان نسيا منسيا، يقف يتأملها وهى تصرخ وتتألم لتهب له الحياة وتحنو عليه وتطعمه، وهو اليوم وفي هذه اللحظة مطلوب منه اتخاذ أصعب قرار بالتوقيع على سلب الحياة منها، فما أصعب هذا التوقيع الذي سبقت فيه الدموع حبر القلم، وصرخات مكتومة تصدر من قلب ينبض بفضل وجودها، لحظات تمر وبآخر حرف وشكل في التوقيع ستكتب لها شهادة وفاة وينقضي الأمر. مهما كان التوقيع مؤلما وإحساسه مريرا إلا أن هذا الشعور لن ينسى ولا يغفر حتى ولو كان بأمر الطب، فالتوقيع خط فاصل بين الحياة والموت في هذه الحالة، والقرار صعب للغاية ولا يستطيع اتخاذه إلا من شعر به وبالأم الطرف الآخر، ولكل منا توقيع في حياته أرغم عليه في لحظة من لحظات عمره.