بعد سنوات من الابتعاد من الأضواء

إيما واتسون.. تعود في بودكاست، لتصوغ لنفسها دوراً جديداً مفاجئا

 إيما واتسون.. تعود في بودكاست،  لتصوغ لنفسها دوراً جديداً مفاجئا

بعيداً من عالم هوغورتس السينمائي الممتد في سلسلة أفلام "هاري بوتر"، كانت إيما واتسون تعيش الظل، أو لعل الأدق أنها كانت تتوقف موقتاً، تمارس ما سمته "الشراكة مع الذات"، ذلك النمط المجرد من الحياة الذي لا يتقنه سوى من يعيشون في ذروة الشهرة وتحت أعين الجميع. فمنذ تلك المرحلة الانتقالية بين عامي 2012 و2014، حين بدأت تبتعد تدريجاً من ظل شخصية هرميون غرينجر، خاضت واتسون مساراً بطيئاً ومدروساً نحو إعادة التشكل. ولبرهة، بدا وكأنها تسعى إلى إثبات قدرتها على أن تكون كما يريدها الآخرون: كاملة. امرأة مثالية تجمع الجدية والوعي والهدوء، وفوق ذلك فهي أيضاً ناشطة مجتمعية.

لكن أن تكون امرأة تحت الأضواء وتحاول فعل الصواب، فهذا يعني أن حضورها وتصريحاتها كانا يستقبلان أحياناً بتوتر لا يتماشى مع هدوئها الشخصي. ومع انتقالها من نجمة طفلة إلى شخصية عامة وناشطة، وجهت إليها اتهامات بـ"النسوية البيضاء"، وأثيرت تساؤلات حول ورود اسمها في "وثائق بنما"، وطلب منها أن يكون نشاطها أكثر جرأة وراديكالية وفاعلية. ومع ذلك، لم تترك تلك الانتقادات أثراً دائماً عليها. ربما لأنها بدت دائماً متزنة، رشيقة الأسلوب، وعلى قدر جيد من المعرفة، وربما أيضاً بسبب تعاطف جمعي مع امرأة لم تعش طفولة طبيعية قط، إذ قضت سنواتها في تصوير سلسلة "هاري بوتر" والترويج لها. ومع ذلك، ظل هناك انطباع بأنها لطيفة أكثر من اللازم، أو مثالية إلى حد يثير الشك. لكن واتسون، مثلنا جميعاً، ليست كاملة، لا كناشطة ولا كإنسانة. وما يهم اليوم أنها باتت أكثر تقبلاً لذلك.
الآن، تبدو وكأنها وجدت توازنها: عادت بصورتها المكتملة كـ إيما واتسون، في جولة إعلامية ضمن حلقة واحدة من مدونة صوتية لا تروج لشيء سوى نفسها. صورة قدمها أحد المعلقين على مقابلتها المطولة مع جاي شيتي في مدونة "عن قصد" On Purpose باعتبارها نسخة ناضجة من هرميون "دافئة، طيبة، ومراعية". وعلى مدى ما يقارب ثلاث ساعات، فتحت قلبها للحديث عن كل شيء: من التمثيل إلى حقوق المتحولين جنسياً، وصولاً إلى فلسطين. كانت المقابلة أقرب إلى تمرين في البراغماتية والتأمل، بعيدة تماماً من أي صخب.
قد تكون هذه المقابلة اللحظة الأبرز التي تكرس إيما واتسون كـ "أميرة جيل الألفية". فهي تبدو، في جوانب عدة، قريبة من الطابع الملكي (حتى أنه يخطر ببال المرء وهو يشاهدها كم أصبحت ملامحها شبيهة بكيت ميدلتون)، تنطق بحديث منمق، وإجابات متأنية، ووعي دائم بكيفية استقبال كلماتها عندما يتم نقلها وتحليلها. ومع ذلك، فهي أكثر إنسانية من أفراد العائلة الملكية، وأكثر قرباً من الناس وربما شبهاً بهم؟  
يصعب على المستمع ألا يشعر بروابط شخصية معها حين تروي لـ شيتي عجزها عن العثور على "عائلة" بديلة في محيط العمل بعد أن نشأت ضمن طاقم مترابط خلال تصوير "هاري بوتر". تقول واتسون، التي لم تظهر في أي فيلم منذ عام 2019 حين شاركت في "نساء صغيرات" Little Women: "كنت أذهب إلى مواقع التصوير بحثاً عن الصداقة، لكن التجربة خارج هاري بوتر وهوليوود كانت مؤلمة حد الانكسار". ثم تضيف، وقد اغرورقت عيناها بالدموع: "كسرني تحطم تلك التوقعات. لكنني، بطريقة ما، فخورة بذلك، لأنه يعني أنه ما زال هناك في داخل شيء قابل للكسر". أما تعليقها على عدم زواجها حتى الآن فكان لافتاً بقدر الصراحة والبعد من التصنع، بخاصة من ضيفة في مدونة صوتية في عام 2025. قالت: "أنا سعيدة جداً ببساطة لكوني لست مطلقة بعد، أشعر أننا نتعرض لضغوط وإكراه لدخول تجربة أراها معجزة نوعاً ما، وربما لا أكون يوماً جديرة بها". واستمر هذا الانفتاح الصريح حين تحدثت عن معاناتها مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، وعن منعها من القيادة (في واقعة بدت طريفة إلى حد ما عندما اقترنت عبارتها "العار يلحقني في كل مكان" بجريمتها الصغيرة: القيادة بسرعة 38 ميلاً في الساعة في منطقة حدود سرعتها 30 ميلاً)، إضافة إلى أسباب ابتعادها من التمثيل.
ثم انتقلت إلى قضايا أكثر إثارة للجدل في صورتها العامة: حقوق المتحولين جنسياً وإسرائيل، وعندما تطرق الحديث إلى جي كي رولينغ - الكاتبة التي قاد خطابها المناهض للمتحولين جنسياً إلى دعوات واسعة لمقاطعة إنتاجات "هاري بوتر" - كانت واتسون، التي عبرت منذ زمن عن دعمها لحقوق المتحولين، حذرة وصريحة في الوقت نفسه، أوضحت أنها ما زالت "تقدر جو [رولينغ] والإنسانة التي جمعتها بها تجارب شخصية"، مؤكدة أن معارضتها لمواقف رولينغ لا تلغي تلك الذكريات: "لا أصدق يوماً أن أحدهما يلغي الآخر، أو أنه لن يحق لي الاحتفاظ بتجربتي مع تلك الإنسانة وتثمينها." وعلى رغم أن تصريحاتها أثارت انتقادات في بعض الأوساط، معظمها قائم على اقتباسات مجتزأة من عناوين صحافية، غير أن مداخلتها اتسمت بقدر من الدبلوماسية التي افتقر إليها النقاش سابقاً. والأهم أنها أظهرت استعداداً للحوار مستقبلاً، إذ تقول: "أكثر ما يؤلمني هو أن فرصة للنقاش لم تمنح أصلاً".
وإن لم يكن هذا كافياً لاستدعاء خبرتها الإعلامية الممتدة لعقود، فقد فعل ذلك حديثها حول فلسطين. إذ استحضر شيتي منشوراً لها عبر منصة "إنستغرام" يعود لعام 2022 أبدت فيه تضامنها مع الفلسطينيين، وهو موقف بدا عادياً لكنه قوبل بهجوم من مسؤولين إسرائيليين. نشر داني دانون آنذاك، الوزير السابق في حكومة نتنياهو وسفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة: "خصم 10 نقاط من غريفندور بسبب معاداة السامية". اليوم، تتأمل واتسون تلك الواقعة وتقول: "ما أقلقني وقتها هو الطريقة التي استخدم بها هذا الوصف [معاداة السامية]، وحتى الآن أرى كيف يستغل الأمر بحيث لا يشعر الناس بالأمان عند الحديث عما يحدث".
قد يرى آخرون (بل وقد قالها بعضهم بالفعل) أن واتسون ما زالت تحاول الإمساك بالعصا من منتصفها حين تجيب عن الأسئلة الشائكة، لكن ربما بقدر ما يعكس ذلك شخصها بقدر ما يعكس المشهد العام نفسه، إذ غدت السياسة مستنزفة إلى درجة تجعل حتى النبرة الهادئة والمتوازنة شيئاً يستحق التشبث به.
لقد تلقت واتسون نصيبها من الهجمات عبر الإنترنت لأنها تحاول إدخال قدر من التمايز والاتزان إلى نقاشات لا تكافئ سوى الجرأة والحدة، ولأنها تتحدث بحذر قد يروق للوسطيين والمترددين والمحبطين واللامبالين. وليس مفاجئاً، إذاً، أن تميل أكثر من أي وقت مضى إلى إطار إنساني صادق في مقاربتها.
قبل عقد من الزمن، كان من الممكن أن توصف اقتباساتها بأنها سطحية متعالية، أو مجرد استعراض لتفكير عميق لا يلامس الواقع. لكن في مناخ منتصف العشرينيات المتصدع، يكتسب سعي نجمة طفلة سابقة إلى فعل الصواب وقعاً مختلفاً. قد تكون واتسون ابتعدت من التمثيل ونأت بنفسها عن الآلة التي صنعت شهرتها، لكن هذه المقابلة تؤكد حقيقة واحدة: إيما واتسون هي الشخصية الأكثر إثارة للاهتمام بين طاقم هاري بوتر، ليس لأنها مثالية، بل لأنها ما زالت تحاول.