المسرح مدرسة الأخلاق
الصراع الدرامي مبني على الشيء وضده، الخير والشر، الظلم والعدل، الفقر والغنى، الصحة والمرض، فتجد هذا الصراع يتصاعد حتى الذروة، وفي النهاية قد ينتصر الطيب فتكون النهاية مثالية وقد ينتصر الشرير ولكنه يُحاسب ويُعاقب والذي يُحدد ذلك هو مسار النص أو رؤية المخرج، والسؤال مدى تأثير الخير والشر على المتفرج.
المسرح قادر على تشكيل وجدان الأفراد والمجتمعات من خلال تسليط الضوء على المبادئ الأخلاقية، وعندما يتفاعل الجمهور مع الشخصيات والصراعات التي يعيشها ويشاهدها، فإنه يجد نفسه أمام مرآة تجسد الواقع، مما يدفعه إلى مراجعة قناعاته وسلوكياته ويُصلح من نفسه بعد نهاية المسرحية أو إعادة التفكير في جزيئات قد تكون غافلة عنه قبل مشاهدة العرض وبالأخص إذا كانت مؤثرة ومعبرة ومشدودة الإيقاع والعناصر بحيث لا يفلت المتفرج عن العرض ويستمر في تركيزه طيلة العرض المسرحي، كثير من المسرحيات تهدف إلى ترسيخ القيم الإيجابية، كما نجد في المسرحيات الكلاسيكية التي تعرض صراع الخير والشر وتنتصر في نهايتها القيم النبيلة.
في العديد من الدول يُستخدم المسرح في المدارس والمؤسسات التعليمية كوسيلة لتعزيز التعلم من خلال التجربة الحية. فبدلًا من الاعتماد على التلقين النظري، يمكن للطلاب أن يعيشوا القيم والمفاهيم عبر أداء أدوار درامية تعكس قضايا أخلاقية وسلوكية، وهذا طُبق لدينا في دولة الإمارات من خلال إدراج مادة الدراما في مدارسنا.
المسرح ليس مجرد فن مستقل بل هو شريك ومسؤولية تجاه المجتمع فالمسرحيون، سواء كانوا مؤلفين أو ممثلين أو مخرجين، يتحملون مسؤولية تقديم أعمال تحترم القيم الإنسانية وتساهم في إصلاح البشر. وعليه، فإن المسرح الحقيقي هو ذلك الذي يسعى إلى تحقيق التوازن بين الإبداع الفني والرسالة الأخلاقية، بحيث لا يكون مجرد أداة للترفيه والضحك والتجارة، بل المسرح قوة تغيير وبناء.
يظل المسرح أحد أقوى الأدوات الثقافية في نشر الأخلاق والوعي، إذ يستطيع أن يجمع بين المتعة والرسالة في آنٍ واحد. ومن هنا فإن تشجيع المسرح الأخلاقي وتعزيزه في المجتمعات يمثل خطوةً نحو بناء أجيال أكثر وعيًا وإنسانية. وكما قال الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي: “المسرح مدرسة للأخلاق”، مما يؤكد أن الفن المسرحي ليس فقط متعة، بل رسالة ومسؤولية وخُلق.
سعيد الزعابي