«النعيمي».. رؤية الحاضر بعين المستقبل
سيظلّ التاريخ شاهد حق، وعدل، وإنصاف لأولئك القادة الذين وهبوا حياتهم لخدمة شعوبهم وأوطانهم، وأدركوا أنهم مُؤتمنون على الإنسان: حاضره ومستقبله، حاجاته وطموحاته، عقله وفكره، أمنه وأمانه، فلم يتوقفوا عن السّعي للنهوض بمعيشته، والرقي بمكانته، والتقدم بآماله إلى صفوف الأمم المتحضرة.
ومن هؤلاء الحكام المؤثرين، الذين يقف التاريخ مزهوًّا بعطائهم، فخورًا بسيرتهم، ومسيرتهم، صاحبُ السموّ الشيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان، بما حباه الله تعالى من سمات شخصية قيادية، ومهارات علمية، وتجارب تنموية، يدعمها سعي مخلص لإعلاء المصالح العليا للوطن ، والاستثمار في الإنسان لمصلحة الإنسان، وشمول آثار التنمية مختلف المجالات؛ فحيث يكون الإنسان تمتد إليه يد الرعاية بالتنشئة السليمة، والتعليم الهادف، والثقافة البناءة، والتحصين الفكري، والعمل الناجح.
تلك آثار مشهودة لإنجازات تاريخية معهودة قاد إلى تحقيقها صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، فقدم قدوة للقيادة الحسنة ببصيرة ثاقبة، ورؤى مستنيرة، وفكر سبّاق، وإيمان لا يتزعزع بأن دولة الإمارات تصنع ريادتها بإخلاص قادتها، وسواعد أبنائها، وتوحدهم وراء قادتهم.
إن تاريخ الأمم ليس مجرد أحداث تُروى باللسان، أو آثار تُرى بالعين، أو عِبرة تستأهل عَبرة، وإنما التاريخ في أزهى حقائقه، وأعمق شهاداته يُحدّث عن شخصياتٍ صنعت أحداثه؛ فانفتحت أمامها أبوابه كلها؛ ليختار القائد لنفسه من أي الأبواب يدخل.
وُلِد صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي بمدينة عجمان، وتلقَّى تعليمًا جيدًا؛ فأحبّ العلم والأدب، تدرَّب على شؤون الحكم والإدارة مبكرًا؛ فقد كان الساعد الأيمن لوالده الذي اختاره وليًّا للعهد في عام 1960م؛ فتولى الأمر بأمانة واقتدار، شارك والده وضع اللبنات الأولى لبناء عجمان الحديثة، وانتخب نائبًا لرئيس مجلس الإمارات المتصالحة في عام 1966م.
شارك في تأسيس الاتحاد منذ بدايته، وفي المباحثات التي سبقت إقامة دولة الإمارات منذ العام 1968م مرافقًا أو ممثلًا لوالده المغفور له الشيخ راشد بن حميد النعيمي، أحد الآباء المؤسسين لدولة الاتحاد المباركة، وخلفَ والده في حكم الإمارة في السادس من سبتمبر 1981م.
عُرِف عنه طيب التعامل مع الناس؛ فلا مظهر للكِبر أو التعالي، يتمتع بسعة الصدر؛ فلا يُضيق بالآخر؛ يُقابل زوّاره بالبشاشة والبِشر؛ ويتعامل مع معاونيه ومرؤوسيه باحترام، ومودة وحسن توجيه، لا يشعر المتردد على مجلسه إلا بالحفاوة والدفء، كأنه يزور مكانًا مألوفًا لديه، وقريباً من نفسه.
يلتقي المسؤولين المحليين في شتى المجالات، ويجتمع بالوزراء، والمسؤولين الاتحاديين، يناقش معهم شؤون الناس، كما يلتقي المواطنين، أفرادًا أو وفودًا، يصدر المراسيم الراعية لمصالحهم؛ والقرارات المحققة لآمالهم، يستقبل كبار ضيوف البلاد؛ وممثلي الدول الشقيقة والصديقة، واهتمامه بالناس لا يقتصر على أبناء عجمان؛ فهو دائم التواصل مع أبناء وطنه على امتداده، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وفي قلبه مساحة كبيرة لرعاية المقيمين بالإمارة من أبناء الدول الشقيقة والصديقة.
وفي جانبٍ آخر من شخصية صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، يُجمع المُقربون منه على حُبه مجالسة الشُّعراء، والأدباء، والمثقفين، والاقتصاديين، وأهل السياسة والفكر، والإعلام، والرياضة، يتسع مجلسه لكثيرين منهم في لقاءات، ومناسبات عدة، تتنوع فيها الموضوعات، وتُطرح الآراء، ويكون فيها مشاركاً رئيساً لا مستمعًا، وصوتًا منتقداً لأكثر الظواهر التي يراها سلبية، محلية وإقليمية وعالمية.
مجلس سموه نابض بالحيوية والنشاط، تُناقش فيه أحداث المنطقة والعالم، وتستعرض فيه تقارير عن السياسة والاقتصاد، والرياضة، والعلوم، والفنون، والثقافة، شهد الكثيرون على فصاحته وبلاغته، وحبه للعُلماء، والمفكرين، وأهل الرأي والمكانة، يستمع إليهم ويستمعون إليه، وهو قبل ذلك وفوقه محب لدينه وعروبته، حريص على القيم الفاضلة، ومحافظ عليها، مواكب للعصر في إنجازاته الحضارية النافعة، ومتمسك بالأصالة.
وصاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي رجل "ميدان" بمعنى الكلمة، يُعايش الناس عن قرب في كل شؤونهم، ويتفقد أحوالهم، لا يركن إلى التقارير الجاهزة أو الاجتماعات الروتينية، فالصورة عنده لا تكتمل إلا بالمشاهدة والمعايشة؛ ومن ثمّ يُولَد القرار الصائب؛ ليحقق المزيد من الإنجازات.
بفكر سموه المحافظ المرن، ورؤيته الحكيمة، وبصيرته الواعية، ونظرته الصائبة، وجهوده المتواصلة، أحدث نقلة حضارية نوعية في مختلف مجالات البنية التحتية، والخدمية؛ وأعطى القطاع الخاص دورًا في تشييد المؤسسات التعليمية والصحية، بجانب الجهات الحكومية، فمع توسُّع الإمارة وازدهارها التجاري، شجع القطاع الخاص على تأسيس مؤسسات تعليمية، كجامعة عجمان، وجامعات أخرى، وفتح أبوابها لطُلَّاب العلم من كل مكان، وصحية كمؤسسات "ثومبي الجامعية"، فساهمت في سد الحاجة إلى الدارسين للعلوم الصحية، ولتقديم الخدمات الصحية، لم يتوقف يومًا عن دعم العلوم والفُنون بشكلٍ كبير، وذلك واضح جلي طوال فترة حكمه.
وتقديرًا لدور سموه الريادي في تأسيس قاعدة للتعليم العالي بالإمارة، تسابقت جامعات عالمية كبرى في منحه "الدكتوراه الفخرية" في مجالات القانون والفلسفة، كما حصل على جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز.
هذه النجاحات شاهدة على التقدُّم العلمي والازدهار الثَّقافي الذي تعيشه"عجمان" على يدي صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، وهذا غيض من فيض تحقق بفضل إخلاصه الوطني، وإيمانه بأهمية تشجيع العلم والمعرفة؛ حيث أطلق "جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم" وهي أول جائزة علمية ثقافية تطرح في الإمارات في عام 1983م، وأسس "هيئة الأعمال الخيرية العالمية" عام 1984م، وكانت من أوائل الجمعيات الخيرية على مستوى الدولة، وأنشأ أول صندوق للتكافل الاجتماعي لمساعدة المقبلين على الزواج عام 1984م، وجمعية أم المؤمنين النسائية العام 1974م، وعلى يديه تأسست استوديوهات عجمان الخاصة التي افتتحها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه) في مارس 1980م كواحدٍ من الصروح الإعلامية الرائدة، ليس على مستوى الدولة فقط، وإنما على مستوى المنطقة العربية قاطبة في وقتها.
عُني صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي بالرياضة على الصعيدين الشخصي والعام، خصوصاً الرياضات المرتبطة بالتراث؛ حيث تُنظم في الإمارة وتحت رعايته: سباقات الهجن والفروسية، والسباقات البحرية والتراثية، ومسابقات جمال الخيل العربي؛ ويهتم سموه كذلك بمتابعة مختلف الأنشطة الرياضية في الدولة.
وتعد تجربة سموه في الحكم ثرية، وفريدة، وناجحة، وهي بمثابة مدرسة تقوم على ممارسة فعلية ناجحة في شتى المجالات، شهد بريادتها كل من عايشها، ومن أبرز خصائصها، وآثارها أن تخرج فيها أبناؤه، وأبناء الأسرة عموماً .
في هذه المدرسة نشأ، وترعرع ولي عهده، وسنده، وعضده سمو الشيخ عمّار بن حميد النعيمي، الذي عاش طفولته وصباه ملازمًا له، وعلى اطلاع على كل تفاصيل المشهد، ملمًّا بكل الأحداث التي عاشتها الإمارة، ومن ثم الدولة، فهو قريب من والده ومن مجلسه، واجتماعاته، وحواراته، وجولاته، وزياراته، واتصالاته، وبالقريبين منه والمطلعين على مسيرة إدارة الحكم، وكيفية اتخاذ القرارات، وإصدار التوجيهات، وما يحظى به من ثقة مقدرة من والده بعد أن رأى فيه سداد الرأي، وصواب المشورة، ورجاحة العقل، والتدبر في إدارة ما أوكله إليه.
إن سمو الشيخ عمّار بن حميد خير امتداد لمسيرة صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي الناجحة؛ فمنه استقى معارفه وطريقة إدارته، وجمّلها بما حصل عليه من شهادات علمية، وعسكرية، وممارسة عملية، ونهل مستمر من حكمة قيادة الدولة.
ونتوقف أمام التساؤل المهم: كيف استطاع صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي الحريص على شؤون إمارته، وشؤون دولته الإسهام في النهوض بهما، وتحقيق تلك الإنجازات المشهودة على أرض الواقع؟
الأمثلة التاريخية في هذا السياق كثيرة، وكلها تؤكد أن من يعيش في ظل إيمانه بقيمه ومبادئه الدينية والأخلاقية، متمسكاً بثقافته الوطنية، وهويته القومية لابدّ أن يعبر كل فعل من أفعاله عن روحه الزكية، وضميره المخلص، وهكذا نجد شخصيات القادة العظام من رموز السياسة، والاقتصاد، والعلم، والثقافة، والأدب، فقراراتهم، ومواقفهم ترجمة صادقة لخياراتهم الدينية، والروحية، والأخلاقية، وثقافتهم الوطنية.
وانطلاقاً من هذه الحقائق، ندرك عن يقين أن التاريخ سيزهو طويلاً بسيرة صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي، أمدّ الله في عمره، ومسيرته قدوة قيادية مُلهمة، ورمز وطنيّ خالدٌ، واسمٌ محفورٌ بحروفٍ من نور في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، تفخر به الإمارات وشعبها.
سيظل سموه نبعًا متجددًا للباحثين عن النجاح القادرين على صناعة الحضارة، وصياغة "المستقبل الأفضل" للشعوب، سيبقى رمزًا حيًّا للقائد القدوة بمواقفه المشرقة، ومبادئه الصادقة، وإنسانيته العالية، وحضوره المميز، وأخلاقه الرفيعة، وصبره الجميل، وصلابة عزيمته، ورجاحة عقله، ونفاذ بصيرته، وسمو روحه.. فتلك صفات القادة العظام، يحدّث بها كل من عايشه، أو عرفه عن قرب.
بقلم: إبراهيم سعيد الظاهري
إعلامي إماراتي
aldhaheriibrahim0@gmail.com