بدأت «نتفليكس» عرضه قبيل مهاجمة روسيا أوكرانيا

«ميونيخ: حافة الحرب»... الحاضر يُشبه الماضي

«ميونيخ: حافة الحرب»...  الحاضر يُشبه الماضي

زعيم أوروبي توسّعي يُطالب باحتلال إقليم صغير عند جيرانه، لضمّه. يتفاوض معه الأوروبيون، فيخيّرهم: إما الضمّ، وإما الحرب. يسترضونه، في فيلمٍ يقرأ اللحظة الأوروبية، التي تجرّ العالم إلى مجاعة. الفيلم بعنوان "ميونيخ: حافة الحرب" (2021) لكريستيان شْفوخو، تبدأ "نتفليكس" عرضه قبيل مهاجمة روسيا أوكرانيا.

تبدأ أفلام المنصّة الأميركية هذه بنبضة قلبٍ، أقرب إلى ضربة طبل. كأنّ فعل المشاهدة حرب. نتيجة المشاهدة، المعركة: بحسب "نتفليكس"، 98 في المائة من المُشاهدين راضون عن الفيلم.
هذا فيلمٌ جديد عن الحروب الأوروبية، وعن صداقة شخصية في خدمة السلام بين بلدين عدوين: صديقان سابقان من بلدين، عشية دخولهما الحرب. تعقيدات مهنية تحطّم علاقة زوجية، بدأت دافئة. شابان صادقان نزيهان، يصعب على المتفرّج الانحياز بسهولة إلى أي منهما.

 أحدهما شخصية من صنف البطل. في صفّه ظاهرياً، لكنْ عملياً يؤذيه في المزاح. شخصيات مرسومة بدقة، ليست بلا ملامح. في لحظة تاريخية، ينخرطان في سباق ضد الوقت لمنع الحرب، دبلوماسياً. لكنْ، ليس سهلاً تغيير الواقع على طاولة المفاوضات، مع زعيمٍ يفاوض ويهاجم، ويُثبت محدودية حُسن النيّة في السياسة. هذا درسٌ لكلّ سياسي متفائل: لا يُمكنك اللعب إلا بأوراقٍ تملكها.

حين لا يملك السياسي وسائل ضغط لتغيير الواقع على الأرض، تكون الخسارة مضمونة.
يُقدّم "ميونيخ: حافة الحرب" زعيماً ديكتاتورياً دموياً، يُرسّخ ممارسات عبادة الشخصية، في مواجهة رئيس وزراء بريطاني ديمقراطي وحكيم، يختار قراراته بدقّة. هذا هو الزعيم السياسي الحقيقي، بحسب هنري كيسنجر الذي يُعرّف الزعيم الحقيقي بالتالي: "ينطوي الأمر على حجم إدراكه، ومن خلال سير القرارات التكتيكية، والمصالح طويلة الأمد لبلده، مع رسم استراتيجية مناسبة لتحقيقها" (الدبلوماسية من الحرب الباردة حتى يومنا هذا، ترجمة مالك فاضل البدري، الأهلية للنشر والتوزيع، ص 150). استراتيجية تضمن الأمن والازدهار والاستقرار، وتستهدف صفر مشاكل. لتحقيق ذلك، تنطوي مسؤولية رجل الدولة، بحسب كيسنجر، على حلّ المعضلة، لا على تأمّلها.

كيف يتحقّق ذلك في فيلم شْفوخو؟ بين إصغاء رئيس الوزراء إلى طلبات الناخبين، والتصعيد ضد ألمانيا النازية،
 وعقد هدنة مع هتلر، يختار الهدنة، ويُغضب ناخبيه. يختار ما يساعده على كسب الوقت، حفاظاً على السلام، وإنْ غضب الناخبون، وخسر السلطة. شعار رئيس الوزراء: السلام أهمّ من السلطة.

إنّه السياق العام، الذي يحتضن سياقاً شخصياً: الشبيبة تحتفل. ألماني وإنكليزي، وبينهما شابة يهودية سعيدة. العالم يتعافى من الأزمة الاقتصادية (1929)، والأفق واعد. لبريطانيا رئيس وزراء حكيم، ومخابرات ماهرة تخترق نظام هتلر بسهولة. لمسة دعاية وطنية حماسية.
بينما يحتفل الأصدقاء بتخرّجهم، في بداية "ميونيخ: حافة الحرب"، تنتشر مفرقعات، وتندلع نارٌ حولهم، وينتشر الرعب. يتّضح أنْ ذلك مجرّد شهب صناعية. أحلام الشعوب الأوروبية في السلام كبيرة. في النهاية، تُسمع مفرقعات نارية حقيقية قاتلة، في مطلع الحرب العالمية الثانية.

مخرج ألماني شاب ينجز فيلماً بريطانياً عن معاهدة ميونخ 1938 الغبية التي سهّلت مهمّة هتلر للبدء باجتياح أوروبا، البعيدة عن أميركا. يملك الفيلم راهنيّة كبيرة، بينما تعيش أوروبا حرباً مُدمّرة، تُهدّد بالتمدّد في أي لحظة. للحرب العالمية الثانية وزنٌ رهيبٌ في اللاوعي الأوروبي. يتعزّز هذا حالياً بسبب الحرب في أوكرانيا، واحتمال تمدّدها إلى دول أخرى. إنّها مسألة وقت فقط. بما أنّ ألمانيا تتسلّح، عام 2022، لتواجه روسيا، تُفكّر فرنسا في سيناريو 1938.

بوضعه في سياق التتابع التاريخي لأفلام الحرب العالمية الثانية، يبدو فيلم شْفوخو مُقدمة لوقائع "دانكيرك" (2017) لكريستوفر نولان الذي تجري أحداثه عام 1940. الفيلم عن معاهدة ميونيخ. دراما تاريخية جديدة عن حروب أوروبا التي لا تنتهي. سردياً، تتقدّم أحداثه سريعاً، ولا تلتفّ حول نفسها. بصرياً، إنّه قصيدة ضوء.أسلوبياً، لا يوجد بحثٌ يهدف إلى جعل أسلوب التصوير يطغى على الموضوع. تعمل كاميرا فرانك لامّ كأنّها غير موجودة كوسيطٍ بين المتفرّج والحدث. لا توجد حركات كاميرا مفتعلة، لإظهار العبقرية.

يتجنّب كريستيان شْفوخو كاميرا "تزعق وتعلن وجودها"، كما حذّر ثيو أنغيلوبولوس. يظهر العكس في فيلم نولان، حيث الكاميرا تعلن عن وجودها في كلّ لقطة، في اقترابها وابتعادها ومطاردتها موضوعها. تلعب على تناوب "المُتناهي الصغر" و"المُتناهي الكبر"، وتحذف اللقطات الوسيطة.يُمكن لأفلامٍ أن تزداد حظوظها في النجاح، بفضل الظرفية التاريخية التي صدرت فيها.

يعتبر أندره بازان أنّ "الزمن المرجعي للمُشاهد هو الآن" (ما هي السينما؟، 4 مجلدات، بين عامي 1958 و1962). المُشاهد يقارن وقائع الفيلم الذي يُشاهده بعصره.يتّخذ السرد بنية دائرية، في فيلمٍ يهاجم اللحظة التاريخية التي تعيشها أوروبا حالياً. الدائرة شكلٌ أرقى في السرد. لذلك، تُستخدم هذه التقنية السردية المضمرة لمساعدة المتلقّي، ليربط ويقارن النهاية بالبداية، وليكتشف كم أنّ الحاضر يُشبه الماضي. هكذا تتوازى دائرية السرد مع دائرية التاريخ، الذي يُهدّد بإعادة نفسه. كم أنّها هشّة أوروبا، بعرقييها وقومييها العُميان، رغم الدم كلّه الذي سال.

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot