آراء الكتاب
مساحة نستعرض فيها الأفكار والإبداع بهدف إثراء الحياة الثقافية يعبر القارىء فيها عن رأيه ولا يمثل وجهة نظر الصحيفة نتلقى مشاركتكم عبر الايميل
abdalmaqsud@hotmail.com
اللغة العربية في يومها العالمي " عاطف البطل/كاتب صحفي "
لا شكّ أنّ قضية العربية تؤرّق كل عربي مخلص لديه انتماء للعربية، فهي قضية وطن ومصير أمة؛ ولذا كانت قضيتها ماثلة أمام أعيننا، ولن تفارقنا أبدا – بمشيئة الله تعالى – مهما كلفنا ذلك من جهد، ومهما أصابنا من سخرية المستهزئين، فهي باقية شامخة، ونحن لها مخلصون، وعنها مدافعون.
ولا يمكن أن ننكر أنّ الإعلام الرقمي له دور إيجابي، يقوم به في إيصال المعلومات للقارئ بسهولة ويسر، فهو دور يُقدّر له، ولكن هناك بعض الصحف والمواقع الإلكترونية عندما نتصفحها نشعر بالحزن والأسى؛ لما آلت إليه لغتنا العربية في بعض هذه المواقع، فحيثما نقرأ نجد أخطاءً لا حصر لها سواء أكانت في الإملاء أم في التراكيب، وهذا يستوجب الوقوف أمامه بقوة، وخصوصا الأخطاء البسيطة في الإملاء والنحو، أخطاء ما يجب أن نقع فيها، ولا أدري أهو أمر مقصود، أم هو جهل بأبسط القواعد في لغتنا العربية؟
على أن ما شدّ انتباهي وأمضّني كثيرا، أن كاتبي هذه الأخبار أو تلك المقالات إنما هم من المثقفين، من خريجي الجامعات، وبعضهم يحملون الشهادات العليا من الماجستير وما بعدها، فكيف يحدث ذلك؟ ألم يكن من الأفضل لتلك المواقع أن تخصص مدققا لغويا يقوم بمراجعة ما يُكتب من أولئك السادة الكرام؟
إنَّ الأمر جد خطير، ولا أبالغ في ذلك؛ لأنه يؤدي إلى عدة أمور منها:
1- انتشار الخطأ بين الجماهير، بل والاعتقاد بأنه هو الصواب.
2- ضعف الكتابة، فما يشاهده القارئ - على اختلاف مستوياته - من خطأ متكرر أمامه، يجعله يلتزم به في كتاباته معتقدا بأنه الصواب.
ولا يقتصر الخطأ اللغوي على الصحف والمواقع فحسب، بل وجدناه على شاشات التلفاز فيما يعرض من عبارات مكتوبة في أثناء نشرة الأخبار أو غيرها.
إنَّ قضية الخطأ اللغوي الشائع في اللغة العربية قضية قديمة حديثة، وهي ليست مقصورة على زمننا هذا فحسب، فقد تحدث عنها شاعر النيل، حافظ إبراهيم عن تلك المأساة، حيث يقول على لسان العربية:
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة.
إنّ الثورة الرقمية أثرت على حياتنا في كثير من الجوانب ومنها ذلك التأثير السلبي على لغتنا العربية؛ ولذلك نجد الكثير من المشاهد الأليمة التي تشوه جمال العربية، وهذا التشويه قد يكون نتيجة طبيعية من بعض الأشخاص الذين لا يهتمون بالعربية ولا يلقون لها بالا، بل يهتمون باللغات الأجنبية ويفتعلون الموقف تلو الموقف؛ كي يضمّنوا كلامهم مصطلحا أجنبيا من هنا أو هناك.
بل أحيانا نجد بعضهم يبذل قصارى جهده في التحدث باللغة الأجنبية بدعوى المدنية والتحضر، وما كانت المدنية والتحضر إلا بالعلم والعمل، وما كان التقدم إلا باللغة الأم، فأروني أمة في العالم تقدمت دون لغتها، والشواهد كثيرة نجدها ماثلة أمامنا، فاليابان تقدمت بلغتها، وكذلك ألمانيا وفرنسا..
إنني أدعو القائمين على جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة إلى الاهتمام باللغة العربية فهي الهوية التي تجمعنا، ولا يمكن التفريط فيها بأي حال من الأحوال؛ لذا يجب اختيار المتخصصين فيها لمراجعة وتدقيق ما ينشر في الصحف أو ما يعرض على شاشات التلفاز من نصوص مكتوبة، فاللغة العربية قضية وطن ومصير أمة.
شهيدة كورونا " كتبت سحر حمزة/كاتبة صحفية "
لم تكن تعلم أن أيامها معدودة على هذه الأرض وإنها أوشكت على الرحيل إلى الآخرة ،أرادت تشييد بيت جديد لابنها الذي كبر وأصبح شابا بارا بأمه وأبيه و ارتبط مع صبية واقترن بها للزواج في الصيف وعملت نوال على أن تكون مساعدة له ليتمم فرحته بإتمام زواجه من عروسه وكانت نوال تداوم على التجهيز ليوم الفرح هذا ،ورغم تفاؤلها وابتسامتها المشرقة مع كل لقاء معها كانت بعض التنهيدات تصدر عنها حين تتذكر أيام تعارفنا الأولى وأيام أنجاب أطفالنا والطقوس العائلية والعشائرية التي كانت تجمعنا على حسن الجوار والمحبة.
نوال امرأة طموحة متميزة في حياتها ،حكيمة في كل سلوكياتها ،طيبة القلب في كل تعاملاتها ،نوال رحمها الله سيدة بمعنى الكلمة تتقن فنون التعامل الإنساني الراقي ،سيدة مواقف مع الجميع ،وجه جميل باسم بكافة المقاييس الإنسانية ،صاحبة نوايا حسنة دوما ،لم أرها يوما عابسة أو غاضبة من أحد وإن استاءت من شيء ما ،تصمت وتكتم غيظها لأنها لا تريد أن تخسر أحدا في حياتها وتنسى من يؤذيها .
عرفتها منذ عدة سنوات مضت جارة رضا وصاحبة أيادي بيضاء مع الجميع ،ليس للقسوة بحياتها مكان وإن لم يعجبها شيء تغادر مكانها إلى آخر متناسية أي شيء ينغص عليها يومها .
أستذكر لقاءنا الأول ، وعرفتها حين كانت طالبة في الجامعة على أبواب التخرج ولم أكن أعلم أن القدر يرسم لها طريقا لتسكن بجوارنا في البيت في مدينة سكانه متناغمون في تركيب فسيفسائي جميل من كافة المنابت والأصول وكانت خجولة على خلق عظيم ،ترتسم على شفتيها ابتسامة ساحرة تجذبني لها .
نوال أخت غالية على قلبي رحمها الله لأنها لم تدخر يوما في العطف على الجميع ،كانت تحرص على إسعاد الأطفال من حولها تعشقهم وتقدم لهم كل ما بيدها لتسعدهم ومنهم أبنائي في جوار بيتها القريب من بيتنا الذي يشكل تجمعا سكنيا لموظفي الحكومة جميعهم.
عشنا أكثر من عشرين عاما أعز الأصدقاء والجيران ،معا نقترب ونسير ونحيا بسلام وحب على الحلوة والمرة ، نستنشق رائحة طهيها للموائد الرمضانية التي كانت تتميز بطعم خاص من يديها ،وكان الأطفال معا في الجوار ينتظرون مدفع الإفطار ،ونحن السيدات نحضر الموائد لقرب موعد آذان الإفطار ،كان سورا يفصل بينا منازلنا وكان من السهل أن نتبادل أطباق الطعام خلاله احتفاء برمضان المبارك ،وألذها كانت المأكولات الشعبية ،وعند موعد السحور كنا نوقظ بعضنا بنقر بعض الضربات على الحائط المشترك ألذي يجمع بين مطابخنا الطيبة .
كانت تصحو مثلنا وكنت أسمع قرعة المواعين و الأطباق ووقع الأقدام في منزلنا كأنه صدى بركة تحل بيننا بهذه الايام المباركة ،وكانت طفلتي الصغرى تلهو يوميا مع أولادها فقد تزوجت مديرا يسكن المنزل المجاور لنا بعد تخرجها من الجامعة وعملت معلمة في إحدى المدارس الحكومية رحمها الله .
كانت ربة بيت بكافة المقاييس ،سيدة المجالس النسائية في الصباحات التي كنا ننظمها بالتناوب في العطلة الصيفية حيث لا يغادر الأولاد إلى المدارس وكونها معلمة فكنا طوال العطلة نتزاور ونتناول بعض الوجبات والحلويات الخفيفة في أوقات مختلفة من النهار وأحيانا في المساء .
ومرت الأيام ونحن على هذا الحال وغادرت أنا البلاد وخلفت ورائي الأولاد لأبيهم لأسباب خاصة ،أما نوال رحمها الله فلم تغادرهم كانت حريصة عليهم تعاملهم مثل أولادها تطمئن عليهم وتتابع أمورهم .
وحين هبطت كورنا من الفضاء وغزت البلاد والعباد ،كنا نحرص على تبادل الرسائل عبر الموبايل لنطمئن على بعضنا ونتبادل قصصا وحكايات جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية التي تطبق للوقاية منها وكنت قد زرتهم في بداية الجائحة لكن لقائي بها كان عابرا حين ذهبت لعزيتها بوفاة والدتها ولم أطيل البقاء معها فقط قمت بالواجب وغادرت لانشغالي بأشياء كثيرة .
لم أكن أعلم أن القدر يرسم لنوال طريقا آخر نحو الآخرة ،فهي الطيبة الحنون الكريمة جارة الرضا والكرم الحاتمي والبسمة التي تغيب عن وجهها الصبوح حين كنت ألقاها في كل مرة .
شاء القدر أن تصاب بالأنفلونزا الشديدة في الشتاء قبل الماضي ومعظم الناس يصابون به لبرودة الطقس والتنقل وتلوث الجو لكن الأطباء بعض طول مدة الإصابة قرروا فحصها من الوباء الزائر للبلاد والعباد الفتاك بأرواحهم ،وفجأة قالوا لنا أنها مصابة بوباء كورونا وأن عليهم نقلها للمشفى للعلاج .
وبعد علاجات متكررة وفحوصات مشددة ومنع أحد من زيارتها ووضعها في غرفة الرقابة الصحية المشددة كانت حالتها تسوء كل يوم أكثر لأن كورونا الملعونة غزت رئتيها وأصبحت غير قادرة على التنفس ورغم محاولات كبيرة من الأطباء لمساعدتها إلا أنها بقيت تصارع الوباء كحرب ضارية ضربتها في أعماقها وهي تقاوم وتقوم لكن القدر شاء وغابت عن الوعي من وطأة الإصابة ،وأصبح التنفس عندها ضعيفا جدا ،وهي تستذكر أمها المتوفاة والمرحومين جميعهم ،وكأنهم حولها ينتظرونها لتغادر معهم وآخر كلماتها التوصية على أولادها الذين ما زالوا على مقاعد المدرسة وبيتها الجديد الذي تشيده كي تزوج أبنها البكر لتفرح به لكن فرحتها لم تكتمل وذهبت في حالة فقدان للوعي حتى انتقلت إلى رحمة الله تعالى وغادرت الأرض ومن عليها ،لتسكن إلى جوار ربها هو أرحم بها وتوفيت وهي لم تكمل الخمسين من عمرها وأحلامها تحلق في أفق حياتها مع أولادها لكن القدر شاء وغادرت الأرض وبلادها وكل أحبابها من العباد وكل شيء حولها حتى أحلامها الوردية وشيد لها بيت صغير مساحته متر واحد لتكون نهايتها على يد جائحة قاتلة تفتك بالبشر والأحبة دون رحمه ،فإلى جنات الخلد مع الشهداء يا أغلى الصديقات نوال .
رائد النهضة " عبد العزيز أحمد نصيب/إعلامي "
كلما حل اليوم الأخير من شهر أكتوبر من كل سنة، يتذكر فيه جزائريون مالك بن نبي، "مفكّر الحضارة" و"رائد النهضة"، كما يُلقّبه الأكاديميون، ومدونون وسائل التواصل الاجتماعي يعبّرون عن تعلقهم بهذا الرجل عبر تدوينات وتغريدات، يذكرون فيها أفكاره وتحليلاته للواقع والحلول التي قدّمها للنهوض بالأوطان وبعثها لتصبح مثل الدول المتقدّمة، كما تنظم ملتقيات وندوات في الجزائر لإحياء ذكراه.
ولد مالك بن نبي في الفاتح يناير 1905 في ولاية تبسة شرقي الجزائر، وتوفي في 31 أكتوبر سنة 1973، هاجر إلى فرنسا ونال شهادة في هندسة الكهرباء، وبعد رحلة تأليف وسفر عاد إلى الجزائر واشتغل في الجامعة إلى أن عزل من منصبه بسبب خلاف مع السلطات السياسية آنذاك على خلفية أفكاره.
مالك بن نبي، صاحب أفكار عديدة أهمها "القابلية للاستعمار" الشهيرة، التي لخّص فيها كيفية بقاء الأمم رهينة التخلف بسبب أفكار خطيرة تتوارثها الأجيال، ولمالك بن نبي مؤلفاته كثيرة أبرزها "مذكرات شاهد على القرن" و"الظاهرة القرآنية" و"بين الرشاد والتيه" و"الكومنولث الإسلامي" و"مشكلة الثقافة" و"شروط النهضة".
كتب الدكتور الجزائري بدران الحسن، المتخصص في فكر مالك بن نبي، على حسابه في فيسبوك تدوينة قال فيها "اقتران ذكرى ثورة أول نوفمبر 1954 بذكرى وفاة الأستاذ مالك بن نبي يوم 31 أكتوبر 1973، يعلمنا أن تحرير الأوطان وتحرير الإنسان أمران لازمان لتحقيق الحرية والسيادة والكرامة وبناء تنمية ونهضة حضارية".
ورغم أنه ألّف أغلب كتبه بالفرنسية، فقد كتب بعض مؤلفاته أو ترجمها إلى العربية شخصيا بعد تجارب ترجمة تكفل بها غيره، ولم تنل إعجابه كما في الجزء الأول من شهادته على القرن، لكن ما الذي بقي من فكر مالك بن نبي الآن؟ هل يمكن القول إن حصاد ما أنتجه لامس الوعي الثقافي العام وأحدث الفاعلية المطلوبة؟ أم أنه ما زال إلى الآن كتابا مستغلقا رغم كثرة مريديه ومتابعيه ومستلهمي أفكار النهضة من تجاربه ورؤيته؟
*من أقوال المفكر مالك بن نبي الخالدة " نحن لا نستطيع أن نصنع التاريخ بتقليد خُطا الآخرين في سائر الدروب التي طرقوها, بل بأن نفتح دروباً جديدة ".
* "الجهل في حقيقته وثنية لأنه لا يغرس أفكاراً, بل يُنصّب أصناماً".
* " إن إعطاء حقوق المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع , وبالتالي تدهورها , أليست هي عضواً فيه ؟! فالقضية ليست قضية فرد إنما قضية مجتمع".
*" فكان من واجب المسلمين أن ينتبهوا إلى أن الاستعمار هو مجرد بذرة صغيرة حقيرة ، ما كان لها أن تنبت وتؤتي أكلها لو لم تهيأ لها التربة الخصبة في عقولنا ونفوسنا".
وتذرف الدمع العيون " الشيماء محمد /أخصائي صحافة وإعلام "
أجهشت في البكاء وانتابني شعور بالغثيان حين وطأة قدمي أولى درجات السلم المؤدي لمنزل أمي التى غادرت الحياة منذ شهر أو يزيد قليلا، لم أظن للحظة أن الجرح لم يدمل وأن الحزن سيغلف القلب ولم يشف من همومه التى تراكمت عليه، فمجرد أن دخلت حيز رائحتها ومكان وطء أقدامها في الشارع وشعرت أن قلبي يلتحف بالذكريات وما أن وصلت لأولى الخطوات نحوها بهدف اجراء تحليل في نفس البناية التى كانت تقطنها والدموع تذرف من عيني، وشريط طويل من الذكريات يمر أمامي، لم أذكر لها أي فعل مسيئ بل كل ما ممر على بالي وذاكرتي من أجمل ما يكون لأم عشقت أبنائها وعملت من أجلهم ليصلوا إلى مبتغاهم، كانت بمثابة مستودع الأسرار للجميع ومحط أنظار الكل، كانت موزع ممتاز للمحبة وناشرة قوية للطاقة الإيجابية.
منذ رحيلها وأنا مستمرة على زيارتها في بيتها الذي يشع منه المحبة، فمذ رحيلها وسكنها المقابر والمكان فيه شعاع من الضوء واضفت على المقابر الحياة، نبتت الزهور والشوارع الجانبية لقبرها أخضرت أوراق الشحر فيه، والصبار الممتد دبت فيه الحياة وتشبث بالجدران ليصعد فوق القبر ويستقر وكأنه يقبل رأسها لعودة للحياة، تساءلت لي يحي الميت امواتاً ويضفي على المكان جمالاً، هل للمتوفي كرامات إبداعية تنم عن جمال روحه واستقراه في المأوى وكأنه يتحدث برسائل من الغيب، لابد وأنها ترسل كلمات بهذه الأشياء التي وجدناها في مذكراتها بعد رحيلها، ما كانت تنوي على عمله ولم يسعفها المرض والرحيل على تنفيذه، ما نراه من رثاء على صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعي وما جاء لها من نعي وبكاء ودعاء صادق من أعداد كبيرة لم نسمع ولم نعرفهم، لقبوها بالأم والأخت والعظيمة، كانت بمثابة الأم الحنون التى تنصح بحب وخوف كل من يلجأ إليها، كانت ناقداً للأعمال الأدبية ومتصدقة بوقتها ومالها على المحتاجين.
رسم السعادة على شفاه الآخر أمر ليس بالهين، أمي كانت من هؤلاء الذين ينعمون بمحبة الخلق ويواظبون على قيام الليل وترتيل القرآن الكريم، لم تبخل على ملهوف ولم تمنع معروف ولم تنم وجارها جوعان، قضت عمرها في حقل التعليم تعطي العلم وتربي أجيالا وتدرس لغة القرآن بحب شديد، جفت الدموع من عيني لما تذكرت أنها خرجت من بيتي وأنها كانت راضية علينا جميعا وأننا كنا في قلبها بمثابة الزهرة الموردة والنغم الذي تعيش عليه ومن أجله، تلك الدموع لم تكن لغضب أو لاعتراض وإنما كانت لفراق عظيم بلا عودة، ولكن عزائنا هو أنها في منزلة عظيمة ومكانة عالية.
المعاناة في ظل الكوارث " علي دولة /مهندس ورجل أعمال "
لن أخوض في ماض قريب لا زلنا نعيش أطواره وبعض رواسب أهواله، ولن أفتح جروحا قد تكون داميه ومؤلمة للبعض ومزعجة لمعظم الناس ، ولن أخوض في غمار الأيام والساعات الطويلة التي عشناها ليس لنا إلا الأمل متنفسا لها ألا وهو وباء كورونا.
لكن سأخوض في الأثر النفسي والصحي وتركيبة الأسرة ، كما في زمن الحرب والكوارث ، لكن هذه المرة العدو هو مبهم غامض لا مرئي ، غير محسوس أو ملموس لكن قد نجح وباء كورونا في دمار النفوس ،كيف لا وقد تفككت أسر كثيرة نتيجة لرواسب الوباء المدمرة إن كان للدول أو للعائلات والأفراد أيضا ، لقد تزعزع الهيكل الهرمي الأسري بتزعزع صورة و حضور الأب كمصدر الرزق والعمل الوحيد الذي هو ضمن الأسرة الواحدة، إنها دعوة للم شمل الأسرة ، لمن تفرق شملهم خلال وباء كورونا، لما فيه خير الفرد والأسرة مجتمعة، فالعائلة أو الأسرة ذات رابط مقدس دائماً و أبداً، فإن سمو الأسرة وترابطها ونجاحها من نجاح الأوطان وازدهارها ، وعمادها الأم والأب ومن دونهما تضيع الأسر وتهدم منازل بلا سبب.
فالترتيب الأسري في ظل السوشيال ميديا، وما أقوله ليس بجديد فقد قيل سابقاً وعشنا رواسبه ولا زلنا، لأن الجديد هنا أنه حتى أصحاب الشركات قد نسوا آداب استقبال الضيوف والبروتوكولات وأصبح همهم الشاغل هو السرد والرد وإعادة الرد والانشغال بإنهاء مكالمة هاتفية مع ضحكة عريضة لتبرير انشغاله.
عناصر صناعة الأفلام " معاذ الطيب /مخرج "
تمر الأفلام بشكل عام سواءً في السينما أو غيرها بعدة مراحل قبل أن يتم عرضها، ولا بُد من المرور على تلك المراحل الأساسية التي تسمى عناصر الفيلم، وبتكامل عناصر الفيلم ينتج فيلم ناجح قادر على التأثير على المشاهد الذي يكون له الحكم النهائي في الجودة من عدمها ومن عناصر صناعة الأفلام الفكرة هي نواة الفيلم، ويمكن أن يستلهم كاتب الفيلم الفكرة من الصفر أو من خلال الاقتباس من أحد الأعمال الأدبيّة والعمل على تكييف الشخصيات والأحداث وجعلها أكثر مناسبةً للعمل المرئي، وتضم الفكرة في العموم رسالة تصل إلى عقل ووجدان المشاهد محاولة التأثير في كلاهما بصورةٍ إيجابية كسائر الأعمال الفنية. التحضير يبدأ زخم صناعة الفيلم من مرحلة التحضير التي تبدأ بالعمل على تطوير وتحويل الفكرة إلى سيناريو مكتوب مناسب للعمل، وتراعى في كتابة السيناريو العديد من العناصر الفنية المتخصصة كسير الأحداث، والشخصيات، والتصاعد الدرامي، والحبكة، والنهاية، كما يحتوي السيناريو على الحوار بين الشخصيات وتفاصيل المشاهد وأوقاتها. يختار المخرج فريق عمل من المساعدين، وتكون مهمّتهم اختيار مواقع التصوير المناسبة والممثّلين الذين سيقومون بأداء أدوار شخصيات العمل، كذلك الاستقرار على طريقة التصوير وبالتالي الإضاءة الملائمة لها، والديكور والملابس الملائمة للسيناريو المكتوب والشخصيّات، ويقوم فريق الإنتاج بالإشراف على تلبية تلك الاحتياجات وموائمة وجودها مع أوقات التصوير المختلفة، ثم التنفيذ الناجح يأتي بعد التجهيز الجيد والحرص على عدم نسيان التفاصيل، وفي أغلب الأفلام تأخذ مرحلة التجهيز وقتاً أطول من التنفيذ الذي يجب أن يتم بسرعة لاعتبارات إنتاجية، ويبدأ تنفيذ الفيلم ببناء الديكورات وتجهيز مواقع التصوير، بحيث يتم تصوير جميع المشاهد الخاصة بكل موقع مع تقسيمها إلى أرقام، والعمل على تجميعها وترتيبها في المرحلة النهائية وهي مرحلة المونتاج والمكساج، يقوم المخرج بمساعدة المونتير بترتيب المشاهد واختيار أفضل اللقطات في كل مشهد، بحيث يصل الفيلم إلى المشاهد في أفضل صورة مرئية ومناسبة لأفكار ورؤية المخرج.
كما يمكن حذف المشاهد غير المناسبة من الفيلم نهائياً، كذلك يتم في تلك المرحلة تعديل ألوان الفيلم وضبط الأصوات وإضافة المؤثرات الخاصة والموسيقى التصويرية، ويضع المونتير شارة المقدمة والنهاية، وبهذا يخرج الفيلم في صورته النهائية إلى المشاهد.
إدارة المنح " حمدي اسماعيل "
زمن الاختبارات أو وقت الامتحانات أو زمن المحن أو فترة الابتلاءات كلها عملة ذات وجهين الأول هو الحدث الذي نتعرض له والثاني هو رد فعلنا تجاه هذا الحدث، كل ما سبق من مسميات اختصر من وجهة نظري في زمن المنحة فأي اختبار أو ابتلاء أو محنة في جوهره منحة ربانية إن أحسنا التعامل بين وجهي العملة وأدرنا رد فعلنا على المحنة لنجعلها منحة.
ومن أول دلائل الإدارة الناجحة هو الرضا بالحدث ومن ثم التفكير في جميع أبعاده وأكثرنا حكمة وحسن إدارة سوف يقيس المحصلة النهائية للحدث أو المصاب أو المحنة أو الابتلاء مع أكبر ابتلاء في محاولة للتخفيف والتقليل من قدره ليتسنى له إدارة الأزمة بنجاح وأكبر المنح وأكثر شيء يكرهه الجميع إلا من رحم ربي هو " الموت" والحكيم يقيس ما ابتلي به إلى الموت ومن المؤكد سيجد الموت أكبر وأبغض إلى نفسه، لذا تهدأ نفسه بعد أن يسترجع بل قد يعي أن لديه منحة وفرصة قبل الموت فيحمد الله أن ابتلاه، فيكون له الخير ويتمكن من إدارة أزمته، ويعبر المحنة ويخرج منها بعبرة لا حسرة.
وكان أحد الصحابة الأبرار رضي الله عنه يقول (ِأعرف رضا ربي بالابتلاء فإن مرت أربعون يوماً دونما ابتلاء أعلم أنني عاص وغير مرضي عني)، فالحمد لله أن كتب لنا المحن لنحولها بالرضا والصبر وحسن التعامل إلى منح.
abdalmaqsud@hotmail.com
اللغة العربية في يومها العالمي " عاطف البطل/كاتب صحفي "
لا شكّ أنّ قضية العربية تؤرّق كل عربي مخلص لديه انتماء للعربية، فهي قضية وطن ومصير أمة؛ ولذا كانت قضيتها ماثلة أمام أعيننا، ولن تفارقنا أبدا – بمشيئة الله تعالى – مهما كلفنا ذلك من جهد، ومهما أصابنا من سخرية المستهزئين، فهي باقية شامخة، ونحن لها مخلصون، وعنها مدافعون.
ولا يمكن أن ننكر أنّ الإعلام الرقمي له دور إيجابي، يقوم به في إيصال المعلومات للقارئ بسهولة ويسر، فهو دور يُقدّر له، ولكن هناك بعض الصحف والمواقع الإلكترونية عندما نتصفحها نشعر بالحزن والأسى؛ لما آلت إليه لغتنا العربية في بعض هذه المواقع، فحيثما نقرأ نجد أخطاءً لا حصر لها سواء أكانت في الإملاء أم في التراكيب، وهذا يستوجب الوقوف أمامه بقوة، وخصوصا الأخطاء البسيطة في الإملاء والنحو، أخطاء ما يجب أن نقع فيها، ولا أدري أهو أمر مقصود، أم هو جهل بأبسط القواعد في لغتنا العربية؟
على أن ما شدّ انتباهي وأمضّني كثيرا، أن كاتبي هذه الأخبار أو تلك المقالات إنما هم من المثقفين، من خريجي الجامعات، وبعضهم يحملون الشهادات العليا من الماجستير وما بعدها، فكيف يحدث ذلك؟ ألم يكن من الأفضل لتلك المواقع أن تخصص مدققا لغويا يقوم بمراجعة ما يُكتب من أولئك السادة الكرام؟
إنَّ الأمر جد خطير، ولا أبالغ في ذلك؛ لأنه يؤدي إلى عدة أمور منها:
1- انتشار الخطأ بين الجماهير، بل والاعتقاد بأنه هو الصواب.
2- ضعف الكتابة، فما يشاهده القارئ - على اختلاف مستوياته - من خطأ متكرر أمامه، يجعله يلتزم به في كتاباته معتقدا بأنه الصواب.
ولا يقتصر الخطأ اللغوي على الصحف والمواقع فحسب، بل وجدناه على شاشات التلفاز فيما يعرض من عبارات مكتوبة في أثناء نشرة الأخبار أو غيرها.
إنَّ قضية الخطأ اللغوي الشائع في اللغة العربية قضية قديمة حديثة، وهي ليست مقصورة على زمننا هذا فحسب، فقد تحدث عنها شاعر النيل، حافظ إبراهيم عن تلك المأساة، حيث يقول على لسان العربية:
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة.
إنّ الثورة الرقمية أثرت على حياتنا في كثير من الجوانب ومنها ذلك التأثير السلبي على لغتنا العربية؛ ولذلك نجد الكثير من المشاهد الأليمة التي تشوه جمال العربية، وهذا التشويه قد يكون نتيجة طبيعية من بعض الأشخاص الذين لا يهتمون بالعربية ولا يلقون لها بالا، بل يهتمون باللغات الأجنبية ويفتعلون الموقف تلو الموقف؛ كي يضمّنوا كلامهم مصطلحا أجنبيا من هنا أو هناك.
بل أحيانا نجد بعضهم يبذل قصارى جهده في التحدث باللغة الأجنبية بدعوى المدنية والتحضر، وما كانت المدنية والتحضر إلا بالعلم والعمل، وما كان التقدم إلا باللغة الأم، فأروني أمة في العالم تقدمت دون لغتها، والشواهد كثيرة نجدها ماثلة أمامنا، فاليابان تقدمت بلغتها، وكذلك ألمانيا وفرنسا..
إنني أدعو القائمين على جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة إلى الاهتمام باللغة العربية فهي الهوية التي تجمعنا، ولا يمكن التفريط فيها بأي حال من الأحوال؛ لذا يجب اختيار المتخصصين فيها لمراجعة وتدقيق ما ينشر في الصحف أو ما يعرض على شاشات التلفاز من نصوص مكتوبة، فاللغة العربية قضية وطن ومصير أمة.
شهيدة كورونا " كتبت سحر حمزة/كاتبة صحفية "
لم تكن تعلم أن أيامها معدودة على هذه الأرض وإنها أوشكت على الرحيل إلى الآخرة ،أرادت تشييد بيت جديد لابنها الذي كبر وأصبح شابا بارا بأمه وأبيه و ارتبط مع صبية واقترن بها للزواج في الصيف وعملت نوال على أن تكون مساعدة له ليتمم فرحته بإتمام زواجه من عروسه وكانت نوال تداوم على التجهيز ليوم الفرح هذا ،ورغم تفاؤلها وابتسامتها المشرقة مع كل لقاء معها كانت بعض التنهيدات تصدر عنها حين تتذكر أيام تعارفنا الأولى وأيام أنجاب أطفالنا والطقوس العائلية والعشائرية التي كانت تجمعنا على حسن الجوار والمحبة.
نوال امرأة طموحة متميزة في حياتها ،حكيمة في كل سلوكياتها ،طيبة القلب في كل تعاملاتها ،نوال رحمها الله سيدة بمعنى الكلمة تتقن فنون التعامل الإنساني الراقي ،سيدة مواقف مع الجميع ،وجه جميل باسم بكافة المقاييس الإنسانية ،صاحبة نوايا حسنة دوما ،لم أرها يوما عابسة أو غاضبة من أحد وإن استاءت من شيء ما ،تصمت وتكتم غيظها لأنها لا تريد أن تخسر أحدا في حياتها وتنسى من يؤذيها .
عرفتها منذ عدة سنوات مضت جارة رضا وصاحبة أيادي بيضاء مع الجميع ،ليس للقسوة بحياتها مكان وإن لم يعجبها شيء تغادر مكانها إلى آخر متناسية أي شيء ينغص عليها يومها .
أستذكر لقاءنا الأول ، وعرفتها حين كانت طالبة في الجامعة على أبواب التخرج ولم أكن أعلم أن القدر يرسم لها طريقا لتسكن بجوارنا في البيت في مدينة سكانه متناغمون في تركيب فسيفسائي جميل من كافة المنابت والأصول وكانت خجولة على خلق عظيم ،ترتسم على شفتيها ابتسامة ساحرة تجذبني لها .
نوال أخت غالية على قلبي رحمها الله لأنها لم تدخر يوما في العطف على الجميع ،كانت تحرص على إسعاد الأطفال من حولها تعشقهم وتقدم لهم كل ما بيدها لتسعدهم ومنهم أبنائي في جوار بيتها القريب من بيتنا الذي يشكل تجمعا سكنيا لموظفي الحكومة جميعهم.
عشنا أكثر من عشرين عاما أعز الأصدقاء والجيران ،معا نقترب ونسير ونحيا بسلام وحب على الحلوة والمرة ، نستنشق رائحة طهيها للموائد الرمضانية التي كانت تتميز بطعم خاص من يديها ،وكان الأطفال معا في الجوار ينتظرون مدفع الإفطار ،ونحن السيدات نحضر الموائد لقرب موعد آذان الإفطار ،كان سورا يفصل بينا منازلنا وكان من السهل أن نتبادل أطباق الطعام خلاله احتفاء برمضان المبارك ،وألذها كانت المأكولات الشعبية ،وعند موعد السحور كنا نوقظ بعضنا بنقر بعض الضربات على الحائط المشترك ألذي يجمع بين مطابخنا الطيبة .
كانت تصحو مثلنا وكنت أسمع قرعة المواعين و الأطباق ووقع الأقدام في منزلنا كأنه صدى بركة تحل بيننا بهذه الايام المباركة ،وكانت طفلتي الصغرى تلهو يوميا مع أولادها فقد تزوجت مديرا يسكن المنزل المجاور لنا بعد تخرجها من الجامعة وعملت معلمة في إحدى المدارس الحكومية رحمها الله .
كانت ربة بيت بكافة المقاييس ،سيدة المجالس النسائية في الصباحات التي كنا ننظمها بالتناوب في العطلة الصيفية حيث لا يغادر الأولاد إلى المدارس وكونها معلمة فكنا طوال العطلة نتزاور ونتناول بعض الوجبات والحلويات الخفيفة في أوقات مختلفة من النهار وأحيانا في المساء .
ومرت الأيام ونحن على هذا الحال وغادرت أنا البلاد وخلفت ورائي الأولاد لأبيهم لأسباب خاصة ،أما نوال رحمها الله فلم تغادرهم كانت حريصة عليهم تعاملهم مثل أولادها تطمئن عليهم وتتابع أمورهم .
وحين هبطت كورنا من الفضاء وغزت البلاد والعباد ،كنا نحرص على تبادل الرسائل عبر الموبايل لنطمئن على بعضنا ونتبادل قصصا وحكايات جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية التي تطبق للوقاية منها وكنت قد زرتهم في بداية الجائحة لكن لقائي بها كان عابرا حين ذهبت لعزيتها بوفاة والدتها ولم أطيل البقاء معها فقط قمت بالواجب وغادرت لانشغالي بأشياء كثيرة .
لم أكن أعلم أن القدر يرسم لنوال طريقا آخر نحو الآخرة ،فهي الطيبة الحنون الكريمة جارة الرضا والكرم الحاتمي والبسمة التي تغيب عن وجهها الصبوح حين كنت ألقاها في كل مرة .
شاء القدر أن تصاب بالأنفلونزا الشديدة في الشتاء قبل الماضي ومعظم الناس يصابون به لبرودة الطقس والتنقل وتلوث الجو لكن الأطباء بعض طول مدة الإصابة قرروا فحصها من الوباء الزائر للبلاد والعباد الفتاك بأرواحهم ،وفجأة قالوا لنا أنها مصابة بوباء كورونا وأن عليهم نقلها للمشفى للعلاج .
وبعد علاجات متكررة وفحوصات مشددة ومنع أحد من زيارتها ووضعها في غرفة الرقابة الصحية المشددة كانت حالتها تسوء كل يوم أكثر لأن كورونا الملعونة غزت رئتيها وأصبحت غير قادرة على التنفس ورغم محاولات كبيرة من الأطباء لمساعدتها إلا أنها بقيت تصارع الوباء كحرب ضارية ضربتها في أعماقها وهي تقاوم وتقوم لكن القدر شاء وغابت عن الوعي من وطأة الإصابة ،وأصبح التنفس عندها ضعيفا جدا ،وهي تستذكر أمها المتوفاة والمرحومين جميعهم ،وكأنهم حولها ينتظرونها لتغادر معهم وآخر كلماتها التوصية على أولادها الذين ما زالوا على مقاعد المدرسة وبيتها الجديد الذي تشيده كي تزوج أبنها البكر لتفرح به لكن فرحتها لم تكتمل وذهبت في حالة فقدان للوعي حتى انتقلت إلى رحمة الله تعالى وغادرت الأرض ومن عليها ،لتسكن إلى جوار ربها هو أرحم بها وتوفيت وهي لم تكمل الخمسين من عمرها وأحلامها تحلق في أفق حياتها مع أولادها لكن القدر شاء وغادرت الأرض وبلادها وكل أحبابها من العباد وكل شيء حولها حتى أحلامها الوردية وشيد لها بيت صغير مساحته متر واحد لتكون نهايتها على يد جائحة قاتلة تفتك بالبشر والأحبة دون رحمه ،فإلى جنات الخلد مع الشهداء يا أغلى الصديقات نوال .
رائد النهضة " عبد العزيز أحمد نصيب/إعلامي "
كلما حل اليوم الأخير من شهر أكتوبر من كل سنة، يتذكر فيه جزائريون مالك بن نبي، "مفكّر الحضارة" و"رائد النهضة"، كما يُلقّبه الأكاديميون، ومدونون وسائل التواصل الاجتماعي يعبّرون عن تعلقهم بهذا الرجل عبر تدوينات وتغريدات، يذكرون فيها أفكاره وتحليلاته للواقع والحلول التي قدّمها للنهوض بالأوطان وبعثها لتصبح مثل الدول المتقدّمة، كما تنظم ملتقيات وندوات في الجزائر لإحياء ذكراه.
ولد مالك بن نبي في الفاتح يناير 1905 في ولاية تبسة شرقي الجزائر، وتوفي في 31 أكتوبر سنة 1973، هاجر إلى فرنسا ونال شهادة في هندسة الكهرباء، وبعد رحلة تأليف وسفر عاد إلى الجزائر واشتغل في الجامعة إلى أن عزل من منصبه بسبب خلاف مع السلطات السياسية آنذاك على خلفية أفكاره.
مالك بن نبي، صاحب أفكار عديدة أهمها "القابلية للاستعمار" الشهيرة، التي لخّص فيها كيفية بقاء الأمم رهينة التخلف بسبب أفكار خطيرة تتوارثها الأجيال، ولمالك بن نبي مؤلفاته كثيرة أبرزها "مذكرات شاهد على القرن" و"الظاهرة القرآنية" و"بين الرشاد والتيه" و"الكومنولث الإسلامي" و"مشكلة الثقافة" و"شروط النهضة".
كتب الدكتور الجزائري بدران الحسن، المتخصص في فكر مالك بن نبي، على حسابه في فيسبوك تدوينة قال فيها "اقتران ذكرى ثورة أول نوفمبر 1954 بذكرى وفاة الأستاذ مالك بن نبي يوم 31 أكتوبر 1973، يعلمنا أن تحرير الأوطان وتحرير الإنسان أمران لازمان لتحقيق الحرية والسيادة والكرامة وبناء تنمية ونهضة حضارية".
ورغم أنه ألّف أغلب كتبه بالفرنسية، فقد كتب بعض مؤلفاته أو ترجمها إلى العربية شخصيا بعد تجارب ترجمة تكفل بها غيره، ولم تنل إعجابه كما في الجزء الأول من شهادته على القرن، لكن ما الذي بقي من فكر مالك بن نبي الآن؟ هل يمكن القول إن حصاد ما أنتجه لامس الوعي الثقافي العام وأحدث الفاعلية المطلوبة؟ أم أنه ما زال إلى الآن كتابا مستغلقا رغم كثرة مريديه ومتابعيه ومستلهمي أفكار النهضة من تجاربه ورؤيته؟
*من أقوال المفكر مالك بن نبي الخالدة " نحن لا نستطيع أن نصنع التاريخ بتقليد خُطا الآخرين في سائر الدروب التي طرقوها, بل بأن نفتح دروباً جديدة ".
* "الجهل في حقيقته وثنية لأنه لا يغرس أفكاراً, بل يُنصّب أصناماً".
* " إن إعطاء حقوق المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع , وبالتالي تدهورها , أليست هي عضواً فيه ؟! فالقضية ليست قضية فرد إنما قضية مجتمع".
*" فكان من واجب المسلمين أن ينتبهوا إلى أن الاستعمار هو مجرد بذرة صغيرة حقيرة ، ما كان لها أن تنبت وتؤتي أكلها لو لم تهيأ لها التربة الخصبة في عقولنا ونفوسنا".
وتذرف الدمع العيون " الشيماء محمد /أخصائي صحافة وإعلام "
أجهشت في البكاء وانتابني شعور بالغثيان حين وطأة قدمي أولى درجات السلم المؤدي لمنزل أمي التى غادرت الحياة منذ شهر أو يزيد قليلا، لم أظن للحظة أن الجرح لم يدمل وأن الحزن سيغلف القلب ولم يشف من همومه التى تراكمت عليه، فمجرد أن دخلت حيز رائحتها ومكان وطء أقدامها في الشارع وشعرت أن قلبي يلتحف بالذكريات وما أن وصلت لأولى الخطوات نحوها بهدف اجراء تحليل في نفس البناية التى كانت تقطنها والدموع تذرف من عيني، وشريط طويل من الذكريات يمر أمامي، لم أذكر لها أي فعل مسيئ بل كل ما ممر على بالي وذاكرتي من أجمل ما يكون لأم عشقت أبنائها وعملت من أجلهم ليصلوا إلى مبتغاهم، كانت بمثابة مستودع الأسرار للجميع ومحط أنظار الكل، كانت موزع ممتاز للمحبة وناشرة قوية للطاقة الإيجابية.
منذ رحيلها وأنا مستمرة على زيارتها في بيتها الذي يشع منه المحبة، فمذ رحيلها وسكنها المقابر والمكان فيه شعاع من الضوء واضفت على المقابر الحياة، نبتت الزهور والشوارع الجانبية لقبرها أخضرت أوراق الشحر فيه، والصبار الممتد دبت فيه الحياة وتشبث بالجدران ليصعد فوق القبر ويستقر وكأنه يقبل رأسها لعودة للحياة، تساءلت لي يحي الميت امواتاً ويضفي على المكان جمالاً، هل للمتوفي كرامات إبداعية تنم عن جمال روحه واستقراه في المأوى وكأنه يتحدث برسائل من الغيب، لابد وأنها ترسل كلمات بهذه الأشياء التي وجدناها في مذكراتها بعد رحيلها، ما كانت تنوي على عمله ولم يسعفها المرض والرحيل على تنفيذه، ما نراه من رثاء على صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعي وما جاء لها من نعي وبكاء ودعاء صادق من أعداد كبيرة لم نسمع ولم نعرفهم، لقبوها بالأم والأخت والعظيمة، كانت بمثابة الأم الحنون التى تنصح بحب وخوف كل من يلجأ إليها، كانت ناقداً للأعمال الأدبية ومتصدقة بوقتها ومالها على المحتاجين.
رسم السعادة على شفاه الآخر أمر ليس بالهين، أمي كانت من هؤلاء الذين ينعمون بمحبة الخلق ويواظبون على قيام الليل وترتيل القرآن الكريم، لم تبخل على ملهوف ولم تمنع معروف ولم تنم وجارها جوعان، قضت عمرها في حقل التعليم تعطي العلم وتربي أجيالا وتدرس لغة القرآن بحب شديد، جفت الدموع من عيني لما تذكرت أنها خرجت من بيتي وأنها كانت راضية علينا جميعا وأننا كنا في قلبها بمثابة الزهرة الموردة والنغم الذي تعيش عليه ومن أجله، تلك الدموع لم تكن لغضب أو لاعتراض وإنما كانت لفراق عظيم بلا عودة، ولكن عزائنا هو أنها في منزلة عظيمة ومكانة عالية.
المعاناة في ظل الكوارث " علي دولة /مهندس ورجل أعمال "
لن أخوض في ماض قريب لا زلنا نعيش أطواره وبعض رواسب أهواله، ولن أفتح جروحا قد تكون داميه ومؤلمة للبعض ومزعجة لمعظم الناس ، ولن أخوض في غمار الأيام والساعات الطويلة التي عشناها ليس لنا إلا الأمل متنفسا لها ألا وهو وباء كورونا.
لكن سأخوض في الأثر النفسي والصحي وتركيبة الأسرة ، كما في زمن الحرب والكوارث ، لكن هذه المرة العدو هو مبهم غامض لا مرئي ، غير محسوس أو ملموس لكن قد نجح وباء كورونا في دمار النفوس ،كيف لا وقد تفككت أسر كثيرة نتيجة لرواسب الوباء المدمرة إن كان للدول أو للعائلات والأفراد أيضا ، لقد تزعزع الهيكل الهرمي الأسري بتزعزع صورة و حضور الأب كمصدر الرزق والعمل الوحيد الذي هو ضمن الأسرة الواحدة، إنها دعوة للم شمل الأسرة ، لمن تفرق شملهم خلال وباء كورونا، لما فيه خير الفرد والأسرة مجتمعة، فالعائلة أو الأسرة ذات رابط مقدس دائماً و أبداً، فإن سمو الأسرة وترابطها ونجاحها من نجاح الأوطان وازدهارها ، وعمادها الأم والأب ومن دونهما تضيع الأسر وتهدم منازل بلا سبب.
فالترتيب الأسري في ظل السوشيال ميديا، وما أقوله ليس بجديد فقد قيل سابقاً وعشنا رواسبه ولا زلنا، لأن الجديد هنا أنه حتى أصحاب الشركات قد نسوا آداب استقبال الضيوف والبروتوكولات وأصبح همهم الشاغل هو السرد والرد وإعادة الرد والانشغال بإنهاء مكالمة هاتفية مع ضحكة عريضة لتبرير انشغاله.
عناصر صناعة الأفلام " معاذ الطيب /مخرج "
تمر الأفلام بشكل عام سواءً في السينما أو غيرها بعدة مراحل قبل أن يتم عرضها، ولا بُد من المرور على تلك المراحل الأساسية التي تسمى عناصر الفيلم، وبتكامل عناصر الفيلم ينتج فيلم ناجح قادر على التأثير على المشاهد الذي يكون له الحكم النهائي في الجودة من عدمها ومن عناصر صناعة الأفلام الفكرة هي نواة الفيلم، ويمكن أن يستلهم كاتب الفيلم الفكرة من الصفر أو من خلال الاقتباس من أحد الأعمال الأدبيّة والعمل على تكييف الشخصيات والأحداث وجعلها أكثر مناسبةً للعمل المرئي، وتضم الفكرة في العموم رسالة تصل إلى عقل ووجدان المشاهد محاولة التأثير في كلاهما بصورةٍ إيجابية كسائر الأعمال الفنية. التحضير يبدأ زخم صناعة الفيلم من مرحلة التحضير التي تبدأ بالعمل على تطوير وتحويل الفكرة إلى سيناريو مكتوب مناسب للعمل، وتراعى في كتابة السيناريو العديد من العناصر الفنية المتخصصة كسير الأحداث، والشخصيات، والتصاعد الدرامي، والحبكة، والنهاية، كما يحتوي السيناريو على الحوار بين الشخصيات وتفاصيل المشاهد وأوقاتها. يختار المخرج فريق عمل من المساعدين، وتكون مهمّتهم اختيار مواقع التصوير المناسبة والممثّلين الذين سيقومون بأداء أدوار شخصيات العمل، كذلك الاستقرار على طريقة التصوير وبالتالي الإضاءة الملائمة لها، والديكور والملابس الملائمة للسيناريو المكتوب والشخصيّات، ويقوم فريق الإنتاج بالإشراف على تلبية تلك الاحتياجات وموائمة وجودها مع أوقات التصوير المختلفة، ثم التنفيذ الناجح يأتي بعد التجهيز الجيد والحرص على عدم نسيان التفاصيل، وفي أغلب الأفلام تأخذ مرحلة التجهيز وقتاً أطول من التنفيذ الذي يجب أن يتم بسرعة لاعتبارات إنتاجية، ويبدأ تنفيذ الفيلم ببناء الديكورات وتجهيز مواقع التصوير، بحيث يتم تصوير جميع المشاهد الخاصة بكل موقع مع تقسيمها إلى أرقام، والعمل على تجميعها وترتيبها في المرحلة النهائية وهي مرحلة المونتاج والمكساج، يقوم المخرج بمساعدة المونتير بترتيب المشاهد واختيار أفضل اللقطات في كل مشهد، بحيث يصل الفيلم إلى المشاهد في أفضل صورة مرئية ومناسبة لأفكار ورؤية المخرج.
كما يمكن حذف المشاهد غير المناسبة من الفيلم نهائياً، كذلك يتم في تلك المرحلة تعديل ألوان الفيلم وضبط الأصوات وإضافة المؤثرات الخاصة والموسيقى التصويرية، ويضع المونتير شارة المقدمة والنهاية، وبهذا يخرج الفيلم في صورته النهائية إلى المشاهد.
إدارة المنح " حمدي اسماعيل "
زمن الاختبارات أو وقت الامتحانات أو زمن المحن أو فترة الابتلاءات كلها عملة ذات وجهين الأول هو الحدث الذي نتعرض له والثاني هو رد فعلنا تجاه هذا الحدث، كل ما سبق من مسميات اختصر من وجهة نظري في زمن المنحة فأي اختبار أو ابتلاء أو محنة في جوهره منحة ربانية إن أحسنا التعامل بين وجهي العملة وأدرنا رد فعلنا على المحنة لنجعلها منحة.
ومن أول دلائل الإدارة الناجحة هو الرضا بالحدث ومن ثم التفكير في جميع أبعاده وأكثرنا حكمة وحسن إدارة سوف يقيس المحصلة النهائية للحدث أو المصاب أو المحنة أو الابتلاء مع أكبر ابتلاء في محاولة للتخفيف والتقليل من قدره ليتسنى له إدارة الأزمة بنجاح وأكبر المنح وأكثر شيء يكرهه الجميع إلا من رحم ربي هو " الموت" والحكيم يقيس ما ابتلي به إلى الموت ومن المؤكد سيجد الموت أكبر وأبغض إلى نفسه، لذا تهدأ نفسه بعد أن يسترجع بل قد يعي أن لديه منحة وفرصة قبل الموت فيحمد الله أن ابتلاه، فيكون له الخير ويتمكن من إدارة أزمته، ويعبر المحنة ويخرج منها بعبرة لا حسرة.
وكان أحد الصحابة الأبرار رضي الله عنه يقول (ِأعرف رضا ربي بالابتلاء فإن مرت أربعون يوماً دونما ابتلاء أعلم أنني عاص وغير مرضي عني)، فالحمد لله أن كتب لنا المحن لنحولها بالرضا والصبر وحسن التعامل إلى منح.