أشخاص في حياتنا
الحب والنفور وجهان لعملة واحدة، فذات القلب الذي يحب بشغف ولهفة وخوف من ضياع المحب، هو ذاته الذي ينفر ويبتعد وينكسر حين يرى الثقة تتلاشى واللهفة تتوارى خلف أسوار الإهمال وغياب الاهتمام وبخل المشاعر والإصابة بمرض الخرس الحاد، وكما أن الحب والنفور ضمن سمات الشخصية، فهناك طرف ثالث وهو الكره لكن يقع النفور بينهما فالمحب لا يكره ولا يتمنى للمحبوب الأذى بينما ينفر بلا عتاب بعد أن يصل لطريق مسدودة لإعادة شغف الحب ومحاولات مضنية للسماح والعفو بلا جدى فينصرف بهدوء. يولد النفور من رحم الحب، فلا يسمى النفور نفوراً إلا بالابتعاد وما يصبح الابتعاد ابتعاداً إلا عن شخص لازمناه سنوات وحسبته الظروف ملاصقاً للجسد والروح، وما كان الالتصاق إلا من تأليف القلوب والحب بينها، حيث أن وجود بذرة الحب بين طرفين تعتبر ضماناً على توقيع عهد بتقديم كل غال ونفيس مقابل بقاء هذا الحب، ويوم يتوارى فيه بريق العينين وابتهاج الوجه وتعبير الملامح، سيندثر الحب رويدا رويدا حتى يحل مكانه النفور بدون كره أو تمني الأذى، فقط الغياب وعدم الرغبة في اللقاء أو البقاء ، وهذه الحالة لا تكون بين عشيقين ذكر وأنثى وإنما بين كل طرفين جمعهما قلب حتى ولو كان حب إنسان لحيوان ولم يجد الاهتمام والتعبير عن الحب سيتركه ولم يهتم وينسحب بلا عتاب، لأن الحب يبنى على تبادل المصلحة، والمصلحة ليست مادية بقدر ما هي معنوية في غلاف من الاحترام والتقدير، فإذا اختلت الموازين تاه المعنى وتبدل المضمون. بعض الأشخاص ينسحبون من حياة الأخرين حين يجدون أن وجودهم لا يضيف للآخر شيئاً، او أصبحوا عبئاً عليهم، في تلك الحالة البعد يكون مشرفاً وبصورة تليق بهما، لأن الحب شعور متغير لارتباطه بالحالة النفسية للأشخاص، إذ نجد أنه يزداد بزيادة التعلق والتعبير الدائم عن أهمية الوجود في حياة الآخر، بينما يأتي الانسحاب بشكل تدريجي وتحذيرات بدون كلمات ولا عتاب، وفي مرة واحدة تحدث فجوة البعد وتحل لحظة النفور، وليس المقصود من هذا المعنى الشعور بين الزوجين فالحب لا يقتصر على العلاقة الزوجية، لأن الحب عام وشامل وغريزة فطرية تمتلكها القلوب الحية في أجسام الكائنات، لكن تبقى فكرة تآلف القلوب ونفورها رهن قدرة الله في خلقه فهو من يؤلفها ويقلبها. علينا ألا نختزل الحب والمشاعر بين الرجل وبين المرأة، لأن الحب شعور تتمتع به القلوب وترتقي به الأنفس، فالحب بين الأصدقاء وبين الصفات والسمات والمعاني، فحب الحب لذاته حب، وحب الخير والسعي إليه، وحب مساعدة الآخر والسعادة به أيضا معنى من معاني الحب، الغريب أننا ننفر من أشخاص لمجرد رؤيتهم ولا نحب الجلوس معهم ولا محاورتهم مع أننا لم نعرف عنهم أي شئ، وهذا اعتبره حدساً ضمن الفراسة الخاصة بالقبول أو النفور وهبها الخالق لبعض عباده.