لقد أوفى الرئيس الأمريكي جو بايدن بمعظم وعوده في بداية عهده بالبيت الأبيض. وسيتحدث أمام الكونجرس أمس الأربعاء لمناقشة المشروعات الكبرى القادمة.
كيف الجمع بين الاستثنائي والعادي؟ يوم الأربعاء، كما كان الحال أثناء أداء اليمين، فإن خطاب جو بايدن الأول أمام اعضاء الكونجرس سيكون مقيدًا بالإجراءات الصحية التي عززها منذ توليه منصبه. وسيُسمح لما لا يزيد عن مائتي عضو بالحضور والاستماع إليه تحت قبة مجلس النواب. سيضع الجميع كمامته، ولن يمنح أي ضيف، على عكس العادة، امتياز حضور هذا التمرين الطقسي.
وسيتعين على شرطة الكابيتول أيضًا إفساح المجال للأجهزة السرية من أجل ضمان أمن هذا الحدث، اذ لا يزال في الذاكرة الاعتداء على المبنى في 6 يناير. لذلك يبدو كل شيء استثنائيًا ، بينما يبدو أن جو بايدن يريد أن يطبع بداية رئاسته بختم العودة إلى الحياة الطبيعية.

عودة إلى الحياة الطبيعية
"لقد أفسح العداء والغضب على طريقة ترامب، والفوضى والهستيريا، الطريق لنسخة جديدة من 'لا دراما أوباما' "، تقول سيليا بيلين، الباحثة في معهد بروكينغز، هناك عودة للوضع الطبيعي الجاد الذي نسيناه إلى حد ما. لقد عادت واشنطن مجددا فضاء للنقاش والتفاوض على الأفكار السياسية الكبرى".
    تجدر الاشارة أيضًا الى أن تفاؤلًا جديدًا يبدو أنه يولد مجددا في الرأي العام. كان جو بايدن قد وعد بـ 100 مليون حقنة في أول مائة يوم له، وها هو في أكثر من 200 مليون جرعة.   "لقد وضع أهدافًا يعلم أنه سيتجاوزها حتى لو ظلت أرقام الإصابات مقلقة، ولا يزال هناك الكثير من الشك بشأن الفيروس المتغير، يقول أحد المألوفين في كواليس السلطة.

    الاقتصاد الأمريكي سينتعش على الأرجح بشكل أسرع من الاقتصاد الصيني"، وحسب استطلاع للرأي أجراه مركز بيو في أوائل أبريل، يوافق 67 بالمائة من الأمريكيين على تصويت الكونجرس على حزمة التحفيز البالغة 1.9 تريليون دولار. وهؤلاء أكثر بكثير في صفوف ناخبيه، ولكن أيضًا بدعم من 35 بالمائة من الأمريكيين الذين يُعرّفون بأنهم جمهوريون.

    نفس الشعور بالثقة النسبية بشأن قضية المناخ الحاسمة. وفقًا لمسح آخر أجراه معهد يوغوف، نُشر عشية القمة الدولية التي نظمها جو بايدن يومي الخميس والجمعة، يرى 56 بالمائة من الأمريكيين أن هذا الموضوع، مثل الوباء، ورشة يجب العمل عليها دون تأخير، قبل المسائل الاقتصادية أو أزمة الهجرة. "حتى الآن، تضيف سيليا بيلين، اختار جو بايدن، في جميع الملفات، الدفاع قدر الامكان عن الخط الأكثر تقدميّة، سواء فيما يتعلق بزيادة الحد الأدنى للأجور، وزيادة ضريبة الشركات، أو بشأن المناخ."

   القطعة الكبيرة الأخرى التي تبدو بعيدة أكثر، هي خطة إعادة الإعمار العملاقة التي تبلغ 2000 مليار، وقدمها الرئيس في نهاية شهر مارس، والتي تتجاوز تجديد البنية التحتية وحدها. لا غرابة في ألا يوافق الناخبون الجمهوريون على جوانبها الاجتماعية والبيئية بالإضافة إلى المبلغ الإجمالي المخصص لها، وهو مرتفع بنسبة الضعف حسب رأيهم. لا ترغب الغالبية العظمى من الأمريكيين المحافظين في إنفاق دولار واحد على استثمارات تهدف إلى تقليل حصة الفحم في إنتاج الكهرباء، ولا تريد، على سبيل المثال، فرض نظام حضانة شامل مجاني للأسر الشابة.
    
شعبية هشة
    نظريا، حتى تنفذ هذه الخطة، يجب التصويت عليها بأغلبية مؤهلة من 60 سيناتورا بعد اعتمادها في مجلس النواب. لكن من الواضح أن بايدن لن يحصل، في هذه المرحلة، على الأصوات الجمهورية التسعة التي يفتقر إليها. والحل الوحيد، هو تمرير الخطة على عدة مراحل، تبدأ بالإجراءات الأكثر توافقية، في انتظار وضع الجمهوريين أمام مسؤولياتهم.

   و"فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية، لم يحاول بايدن حقًا التحدث إلى الجمهوريين، وبدلاً من ذلك بذل قصارى جهده للحفاظ على وحدة الديمقراطيين من خلال التأكد من المسك بيسار الحزب، يعلق دبلوماسي أوروبي مقره في واشنطن. لقد فهم أنه لا بد ان يكون للمضمون الأسبقية على الشكل، وأنه لا جدوى من الوقوع في مستنقع مناقشات لا تنتهي مع المعارضة لتحقيق النجاح ".
    بسيط، متواضع ظاهريا، لا يمكن الوصول إليه تقريبًا من قبل وسائل الإعلام، يريد جو بايدن أن يظهر، على عكس سلفه العاصف، أنه يعمل، حتى لو كان الثمن ان يبدو ركيكا أو مملًا. ومن ثم تظل شعبيته هشة بمعدل حالي يبلغ 53 بالمائة، أكثر بكثير من ترامب في هذا الوقت من عام 2017، ولكن أقل بكثير من أوباما أو ريغان أو كينيدي بعد أول 100 يوم من ولايتهم.

   وكما يلاحظ المتخصص في العلوم السياسية كايل كونديك، محرر النشرة الإخبارية المتخصصة في ساباتو كريستال بول، " أداء بايدن ليس سيئا وهو يخرج بأقل الاضرار بالنظر للمناخ الذي لا يزال شديد الاستقطاب بعد الانتخابات، لكنه ربما يستفيد من نوع من شهر العسل في اخر المطاف". ولأول مرة مساء الأربعاء، سيتحدث ممثل منتخب من اليسار من الحزب الديمقراطي، جمال بومان، على شاشة التلفزيون للحصول على حق الرد بعد خطاب بايدن في الكونجرس "للتأكد من أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح"، يحذر، وها ان بايدن على علم. إذا كان هناك شهر عسل، فهو مهدد بخسوف سواء هلاله الأيسر او نصفه الأيمن.