قبل عام من منتصف المدة:
جو بايدن في فخّ الأولويات...!
بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، بين الوسطيين والتقدميين، بين الصين وروسيا، بين الناتو وأوروبا، يجد الرئيس الأمريكي صعوبة للعب ورقة “في نفس الوقت».
المقابلة التي سيجريها جو بايدن مع فلاديمير بوتين، اليوم الثلاثاء، هو في غنى عنها وما كان يتمناها. ألم يحاول إغلاق الأزمة بين الولايات المتحدة وروسيا بعد لقائه بسيد الكرملين في يونيو الماضي؟ ولكن لماذا لم يتمكن الأوروبيون، من خلال اتفاقيات مينسك الشهيرة وتلك الصيغة النورماندية، من حل القضية الأوكرانية المتعفنة منذ سبع سنوات، والتي يمكن أن تتحول إلى حرب حقيقية مفتوحة وتقليدية بين موسكو وكييف من الان حتى نهاية العام؟
في عالم مثالي، كان جو بايدن يود التركيز على أولويتين فقط: إصلاحات البنية التحتية المادية والاجتماعية والبيئية في الداخل، والصين فقط في الخارج. وكما وعد مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، فإن سياسته الخارجية ستكون دبلوماسية في خدمة الطبقة الوسطى الأمريكية... بمعنى آخر، تايوان قبل أوكرانيا، وأوهايو قبل مانهاتن.
توازن قوى داخلي
لكن ربما استخف جو بايدن بميزان القوى. أولاً داخل حزبه: بين الربيع والخريف، فشل في ان يحصل من ديمقراطيين اثنين من يمين الوسط (السناتورة كيرستن سينيما من أريزونا، والسناتور جو مانشين من وست فرجينيا) ومن مجموعة التقدميين في جناح ساندرز، في مجلس النواب، على ان يتوافقوا على الأساسيات. فالصراع على حجم خطتي البنية التحتية وإعادة بناء أمريكا بشكل أفضل، بين اليمين واليسار وضع مصالح النواب المنتخبين قبل مصالح الحزب، في حين كان المطلوب وضع مصالح الدولة قبل مصالح الحزب.
في هذه اللعبة، قد يسود الانطباع بأن الأمريكيين تعلموا كل الدروس... لكن لا. وهذا يصحّ بشكل خاص على المعسكر الديمقراطي: قد يكون القاسم المشترك بين كل من كلينتون وأوباما وبايدن، هو خسارة أغلبيتهم في مجلس النواب بمجرد انتهاء عامهم الثاني في المنصب. ولئن نجح كلينتون وأوباما في إعادة انتخابهما، فليس هناك ما يشير إلى أن هذا قد ينجح مع بايدن. سأكون حريصًا على عدم إجراء أدنى تكهن حول قدرته على الترشح مجددا أو قدرة نائبه، كامالا هاريس، على خلافته، لكن شعبيتهما تتراجع بسرعة كبيرة جدًا مما يثير القلق.
المعارضة متماسكة
الخطر الآخر الذي استخف به بايدن، كما يبدو لي، هو وزن المعارضة ووحدتها. لن أعود هنا إلى انتصار اليمين في الانتخابات لمنصب حاكم ولاية فرجينيا، لكن المعسكر المحافظ أظهر في الأسابيع الأخيرة تماسكه سواء على الأرض، أو في الكونجرس.
يواصل معسكر ترامب استغلال استطلاع نُشر في نهاية أكتوبر الماضي، والذي أظهر ليس فقط، فقدانًا متزايدًا لشعبية جو بايدن، ولكن أيضًا أن دونالد ترامب سيكون أفضل من خليفته لو كان في السلطة.
وحسب استطلاع لمركز الدراسات السياسية الأمريكية بجامعة هارفارد، أجراه معهد هاريس، سيكون الرئيس ترامب في أفضل وضع بين جميع المرشحين الجمهوريين إذا أجريت الانتخابات الرئاسية لعام 2024 غدًا، متقدمًا بفارق كبير على منافسيه المحافظين. أما فيما يتعلق بميزان القوى بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، فقد استعاد نفس توازنه، بل مع مزيد من الرفض القاطع (يعارض بشدة) ضد الديمقراطيين أكثر من الجمهوريين (37 بالمائة مقابل 32بالمائة).
ومع ذلك، لا يريد جو بايدن البقاء غير نشط في المجال الدولي. لكن من الواضح أنه كان يفضل الاستمرار في التركيز على الشؤون الآسيوية بدلاً من الأمور الأوروبية. وجليّ أنّ حلقة معاهدة اوكوس، شكّلت عاملا للكشف عن تشابك الأولويات هذا.
بإغضاب الفرنسيين والأوروبيين في قضية المعاهدة مع أستراليا والمملكة المتحدة، وهو الذي خضع لتوه لاختبار شك الحلفاء بشأن قدرته على إدارة الانسحاب من أفغانستان، ساهم اختياره إعطاء الأولوية لموقف صارم وقوي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مواجهة الصين، في ابعاده عن الأوروبيين أكثر مما كان يود.
هذه المرحلة من الارتباك بين القوى الغربية لم تفلت عن فلاديمير بوتين الذي، من خلال حشد قواته مجددا على الحدود الأوكرانية، أراد أن يعمّق القطيعة مع الأوروبيين المنخرطين في اتفاقيات مينسك، من أجل فرض حوار حصري مع أمريكا، وبالتالي إجبار جو بايدن على الانخراط في نقاش حاسم حول رسم خط دفاع الناتو في أوروبا. وكما يوضح دبلوماسي أوروبي منخرط بشدة في هذه القضية، “لا يريد بوتين انضمام أوكرانيا إلى الناتو، لكنه يريد إقناع بايدن بان لا يستقرّ الناتو في أوكرانيا أيضًا”. بعبارة أخرى، تختبر روسيا قدرة الولايات المتحدة على أن تكون في موقف هجومي ضد الصين بينما تكون في موقف دفاعي في أوروبا.
انتخابات التجديد النصفي في الافق
قبل أقل من عام من انتخابات التجديد النصفي، هناك لحظة شك حول مصداقية جو بايدن. هل هو قادر على مواجهة كل هذه التحديات الداخلية والخارجية في نفس الوقت؟ بحسب استطلاعات الرأي، فإن الأمريكيين ما زالوا مدينين له بملف واحد فقط، وليس أقله، مكافحة جائحة كوفيد -19. وهو عمل فذ، بالنظر إلى حجم القصف والحملة التي يقودها الجمهوريون حول هذا الموضوع، وأولهم حاكم فلوريدا رون ديسانتيس. ولكن، سواء تعلّق الأمر بمكافحة التضخم، والسياسة الخارجية، ورد الفعل ضد الجريمة، فإن الأمريكيين يحكمون على جو بايدن بقسوة. وجد استطلاع هاريس، أن أغلبية صغيرة من الأمريكيين بدأت تشكك في تأثير عمره وقوته للوفاء بدوره كرئيس.
الخلاصة؟ من الأفضل أن يستغل الأوروبيون مطلع عام 2022، مع وصول دماء جديدة إلى برلين، والرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، واعتماد “بوصلة استراتيجية” جديدة لأوروبا، والنقاش حول استراتيجية الناتو الجديدة، لإظهار الوحدة والجرأة والطموح. لأنهم إذا كانوا لا يحبون أمريكا المنعزلة أو المنفردة، فانهم لن يحبوا أكثر أمريكا الضعيفة أو التي تتلمّس طريقها.