جو بايدن يخضع...!
إذا كان باستطاعة جو بايدن الفرح، مع الإعلان عن جمع حملته مؤخرًا مبلغًا يزيد عن 300 مليون دولار، فقد اضطر مع ذلك الى اللجوء للعبة التوازن، وهو وضع غير مريح قبل شهرين من الاقتراع.
منذ أشهر، لم يفوّت المرشح الديمقراطي أي فرصة لدعم السود والأقليات. وقد قرن القول من خلال تعيين كامالا هاريس رفيقة له في رحلة اقتناص البيت الابيض، وتدعم هذه الأخيرة -تمامًا مثل بايدن -الاحتجاجات السلمية التي تتصدّر عناوين الصحف منذ بداية الصيف.
المشكلة؟ قد نلاحظ وجود اليمين المتطرف والميليشيات المسلحة على الأرض، لكن لا يمكن غضّ الطرف، أو تجاهل أعمال العنف والاستفزازات لفصيل من راديكاليي اليسار. فالاحتجاجات ليست سلمية فقط، والخوف ينتشر في شرائح واسعة من السكان.
منذ بداية رئاسته، ومرة أخرى خلال المؤتمر الجمهوري، ظلّ دونالد ترامب ثابتًا دائمًا، انه رئيس القانون والنظام. يمكن معاتبته على صب الزيت على النار، وعدم تنديده باليمين المتطرف، أو افتقاره إلى التعاطف مع ضحايا وحشية الشرطة، فإننا نحتفظ بشكل خاص بقدرته على صياغة العبارة، وثبات رؤيته.
أثناء وجوده في كينوشا أول أول أمس الثلاثاء قدم الرئيس دعمه لإنفاذ القانون، ورفض الاعتراف بوجود عنصرية منهجية بين ضباط الشرطة، وبدا أنه يقلل من أخطاء الشرطة الفادحة بقوله إنه لن يدين الشرطة بسبب عدد قليل من الفاسدين، أو قلة من الناس الذين ينهارون تحت الضغط.
ومجسّدا استراتيجية مأخوذة مباشرة من كتابه “فن الصفقة”، فقد حوّل الضغط الذي كان يُمارس على إدارته باتجاه معسكر الخصوم. ليس مهما ما إذا كان في منصبه منذ أكثر من ثلاث سنوات الآن، وإذا ما تعفّنت الاوضاع، فان ذلك بسبب اليسار الراديكالي الذي يدعمه جو بايدن. لا يمكن للأمريكيين أن يأملوا في العيش بأمان إذا انتخبوا المرشح الذي قد يتعاهد مع قوى خفيّة.
قد يُنظر إلى حجّته على أنها سخيفة، وتستند مرة أخرى إلى نظريات مؤامرة معيبة، لكن لرسالته فاعليّة ومردودية، إذ يحرز الرئيس تقدمًا في استطلاعات الرأي. إنه يدرك ذلك، ويلعب الورقة جيدًا. عندما يحترق المنزل، لا تبحث عن الشخص المسؤول أولاً، فأنت تريد أقرب رجل إطفاء... ويقدم دونالد ترامب نفسه على أنه رجل الإطفاء هذا.
لم يكن أمام جو بايدن أي خيار سوى إدانة العنف والفوضى: “النهب ليس احتجاجًا... إشعال النار ليس التظاهر... لا علاقة لأي من هذا بالاحتجاجات... إنها فوضى، نقطة الى السطر «. وحتى يأمل عدم التورّط في هذه الأزمة، على نائب الرئيس السابق أن يكون دقيقًا، وأن يميز بوضوح بين المحتجين الشرعيين والبلطجية. في حين أن دونالد ترامب لا تحرجه هذه الفروق الدقيقة. فمن خلال التأكيد على أنه لا يمكن التسامح مع العنف وإدانة الفوضى، يروج بايدن بشكل غير مباشر لرسالة خصمه.
تقع بلدة كينوشا في ولاية ويسكونسن. استعصت هذه الولاية على هيلاري كلينتون عام 2016، وهي رهان صعب مرة أخرى. وحرص دونالد ترامب على زيارتها، معزّزا رسالته، ومطمئنا المواطنين القلقين بشأن التجاوزات.
ما إن خرج من حجره الصحي لاستئناف الحملة الانتخابية، حتى وجد جو بايدن نفسه يسير على حبل رفيع، عليه الاستمرار في الدفاع عن السود وضحايا العنصرية، مع التأكيد للأمريكيين أنه يمكنهم التظاهر سلميا، رغم وجود مشعل الحرائق في البيت الأبيض ورد الفعل العنيف من جانب بعض اليسار.
----------------------------------------------
*أستاذ تاريخ، ومحاضر، ومعلق سياسي كندي مختص في السياسة والتاريخ الأمريكيين