نافذة مشرعة

زلزال الانتخابات التشريعية: دروس مستفادة

زلزال الانتخابات التشريعية: دروس مستفادة


    وضعت الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في 19 يونيو حداً للدورة الانتخابية الطويلة، حيث تعاقبت جولتان رئاسيتان وجولتان تشريعيتان على التوالي. في الانتخابات الرئاسية، أعيد انتخاب إيمانويل ماكرون بفارق جيد، خاصة إذا استحضرنا أن الرئيس المنتهية ولايته لا يرضي جزءً من الناخبين.
   لكن الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية الأسبوع الماضي سجّلت انخفاضًا كبيرًا في عدد ناخبي الأغلبية الرئاسية. كان الرهان الرئيسي للجولة الثانية بالطبع هو ما إذا كانت الأغلبية الرئاسية ستحظى أيضًا بأغلبية مطلقة من النواب أو، كما اقترحت استطلاعات الرأي، ستحصل على أغلبية نسبية فقط.

عدم الثقة في الأغلبية
   جاءت النتائج سيئة للغاية بالنسبة للأغلبية. تحصل ائتلاف “معًا” على 245 مقعدًا، بعيدًا عن الأغلبية المطلقة 289. وكان نصيب “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد” 133 نائبا، في أدني سقف لما أعلنته استطلاعات الرأي. في المقابل، حصد التجمع الوطني 89 عضوًا منتخبًا مقابل 8 عام 2017، و35 عام 1988 بنظام التصويت النسبي على مستوى الاقاليم. للجمهوريين 60، أي أقل من نصف مجموعتهم البرلمانية من 2017 إلى 2022. هناك 20 يسارًا متنوعا، و10 إقليميين، و10 لليمين المتنوع، و4 وسط مختلف، و4 اتحاد الديمقراطيين والمستقلين، واليمين السيادي واحد.
   نضيف أن الكتلتين الرئيسيتين مركّبتان. في الأغلبية الرئاسية النسبية، سيكون لحزب الجمهورية الى الامام 162 نائبًا فقط، اي أقل من نصف عدده عام 2017، ومودم 45 “تقريبًا نفس حصاده عام 2017”، وأوريزون، حزب إدوارد فيليب الجديد، 27.
   من جهة الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد، تحصل حزب فرنسا المتمردة على 79 مسؤولاً منتخباً (مقابل 17 اليوم)، و25 لأوروبا البيئة-الخضر، و25 للحزب الاشتراكي، و12 الحزب الشيوعي الفرنسي، “وسيواجه هؤلاء صعوبة في تشكيل مجموعة برلمانية”. ومن المحتمل جدًا أن يتذرّر هذا التحالف أو ينهار، نظرًا للاختلاف الكبير في البرامج، لا سيما فيما يتعلق بأوروبا وحلف شمال الأطلسي.
   ولأول مرة منذ عام 2002، عندما خُفضت الولاية الرئاسية إلى خمس سنوات وتمّ عكس الروزنامة الانتخابية، لم يحدث تضخيم للانتصار الرئاسي في الانتخابات التشريعية. وعلى النقيض من ذلك، يبدو أنه كانت هناك حركة تحدٍ قوية تجاه الأغلبية. فالجبهة ضد تيارات “المتطرف”، التي دعا إليها المعسكر الرئاسي، لم تنجح، والخوف من “الفوضى” إذا احتل اليسار واليمين الراديكاليان الصدارة، لم تحقق التعبئة أيضًا.

مستقبل تصنعه التحالفات؟
   لذلك، فإن الوضع في السنوات الخمس المقبلة مفتوح للغاية، مما سيجبر الحكومة على إيجاد أغلبية بديلة على أساس حالة بحالة، ما لم تنجح في إقناع ممثلين منتخبين على اليمين أو من مختلف اليسار للانضمام إليها. وتظهر هذه النتائج أن إعادة تشكيل النظام الحزبي الفرنسي لم تنته بعد، اذ يمكن ان ينهار حزب الجمهوريين أو ينقسم، مع تحرك بعض مكوّناته نحو الماكرونية، ويُحتمل أن ينضم آخرون إلى التجمع الوطني.
   الضعف الشديد للأغلبية، كانت تتسنى قراءته منذ نتائج الجولة التشريعية الأولى. لقد حصل التحالف الرئاسي على حوالي 25 فاصل 7 بالمائة فقط من الأصوات، في نفس مستوى خصمه الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد. وإذا قارنا بعام 2017، نجد ان حزب الجمهورية الى الامام قد جمع حينها 32 فاصل 3 بالمائة من الأصوات المدلى بها في الجولة الأولى، أي ما يقرب من 7 نقاط أكثر من 12 يونيو 2022. لقد انبثقت ثلاث كتل حزبية رئيسية من صناديق الاقتراع: معًا، الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد، واليمين الراديكالي، عند حوالي 24 بالمائة (التجمع الوطني، استعادة فرنسا، يمين سيادي)، بينما انخفض اليمين التقليدي إلى 13.6 بالمائة “الجمهوريون، اتحاد الديمقراطيين والمستقلين، يمين متنوع».
   المستوى القياسي للامتناع عن التصويت “52 فاصل 5 بالمائة من الناخبين المسجلين” منع العديد من المرشحين من الترشح لأنه لا بد من الحصول على 12 فاصل 5 بالمائة على الأقل من الناخبين المسجلين “أي أكثر من 25 بالمائة من الناخبين في معظم الدوائر”. لذلك جمعت الجولة الثانية في كل مكان “مع 7 استثناءات” مبارزات ثنائية: تم تأهيل 415 لائتلاف معا، و380 الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد، و209 التجمع الوطني، و71 الجمهوريين.

استراتيجية غير مقنعة
   ربما يكون التراجع الكبير في الانتخابات التشريعية مقارنة بالرئاسية مرتبطا بتبني استراتيجية غير مقنعة. عام 2017، اختار الرئيس المنتخب حديثًا رئيس الوزراء بسرعة كبيرة، واتخذت حكومته إجراءات شعبية قبل الجولة الأولى، لا سيما فيما يتعلق بأخلفة الحياة السياسية. في المقابل، عام 2022، كان رئيس الدولة بطيئًا في إعلان حكومته، دون الالتزام بإجراءات محددة على الرغم من الأزمة المناخية والاقتصادية والصحية الواضحة. وبالتالي، فيما يتعلق بالمسألة الرئيسية المتعلقة بالمقدرة الشرائية، اكتفت رئيسة الوزراء بالإعلان مؤخرًا عن زيادة بنسبة 4 بالمائة في المعاشات التقاعدية خلال الصيف.
   وهكذا يظل البرنامج الرئاسي للسنوات الخمس المقبلة غامضًا، لا سيما فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، وكأن الرئيس يريد الحفاظ على هوامش المبادرة فيما يتعلق بالسياسة التي ينتهجها، أو كأنه يعتقد أن حضوره على الصعيد الدولي كافيًا لجذب الناخبين. ويشهد على ذلك الغموض المحيط بمقترحه الأخير الخاص بـ “المجلس الوطني لإعادة التأسيس».
   في هذا السياق، نجح التحالف الانتخابي الذي يديره جان لوك ميلينشون في مضاعفة عدد نواب اليسار في الجمعية الوطنية ثلاث مرات تقريبًا. اكنها، كنسبة مئوية من الأصوات المدلى بها، ظلت مستقرة كنسبة مئوية مقارنة بعام 2017 حوالي 30 بالمائة “مع مختلف اليسار”، بينما تقدم اليمين الراديكالي بنحو 10 نقاط.

اهمية الامتناع عن التصويت
   أخيرًا، أكدت الجولة الثانية ما عرفته الأولى من حيث أهمية الامتناع عن التصويت: 53 فاصل 8 بالمائة، وهي نسبة فاقت ما كانت عليه في الجولة التشريعية الأولى ولكنها أقل من الجولة الثانية لعام 2017 “57 بالمائة”. ان الفجوة أكبر من ذي قبل وفق الأجيال والفئات الاجتماعية: بينما يذهب اثنان من كل ثلاثة ناخبين من بين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا للتصويت، فإن شخصا واحدا فقط ينتخب بالنسبة للأقل من 35 عامًا. لقد أصبح العديد من العمال والموظفين قدريين، ولا يرون فائدة في الذهاب للتصويت.    نحن هنا أمام مسألة مهمة للغاية يجب على السلطات العامة تناولها في بداية الدورة النيابية حتى يمكن تنفيذ الإصلاحات عام 2027. ونحن ندرك أن الامتناع عن التصويت يمكن أن يتراجع -دون أي حلول سحرية -مع إدخال نظام تصويت نسبي جزئيًا على الأقل، مع إمكانية التصويت بالبريد أو عبر الإنترنت، بالإضافة إلى إصلاح التسجيل في القوائم الانتخابية لمنع حدوث الكثير من “أخطاء التسجيل».
   كثيرون يقترحون تنفيذ سياسة حقيقية لتعزيز المواطنة بين الشباب، أو تطوير حوافز التصويت أثناء الحملات الانتخابية، أو حتى تنظيم مناظرات كبرى متناقضة بين الأحزاب، وأن تصل البرامج والمواقف السياسية إلى الناخبين في وقت مبكر. ان التفكير في نوع الإصلاحات التي سيتم تنفيذها يُعدّ أمرًا ملحًا لمستقبل الديمقراطية التمثيلية في فرنسا.

* أستاذ مميز في العلوم السياسية، معهد العلوم السياسية غرونوبل. متخصص في علم اجتماع القيم والرأي العام، والسلوك الانتخابي، والمواقف السياسية والدينية في فرنسا وأوروبا. ومن مؤلفاته الكثيرة “الانتخابات الرئاسية الفرنسية”، و”فرنسا القيم” مع فريديريك غونثير وساندرين أستور


 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot