بعد أيام قليلة من تعليق حملته الرئاسية، عزز سيناتور ولاية فيرمونت مكاسبه من خلال منح دعم فوري لجو بايدن.
   حدث ذلك أسرع مما كنا نتوقع. ففي ظهور مشترك في الرسالة اليومية التي يوجّهها جو بايدن إلى مؤيديه على الإنترنت، قدم له خصمه الرئيسي في الترشيح الديمقراطي للرئاسة، بيرني ساندرز، دعمه الكامل.
 وكان ساندرز قد أعلن قبل بضعـــة أيــــــام تعليق حملته الرئاسية، لكنه شدد على أنــــــه لا يزال يريـــــد منح مؤيديه فرصــــة التصويت خلال الانتخابـات التمهيدية التي لا تزال على جدول الاعمال، والذهاب إلى المؤتمر الديمقراطي لمحاولة ممارســــة أقصى تأثير من خلال كتلة المندوبين.
   واليوم، قام بتغيير الاتجاه من خلال اتخاذ قرار الدعم الفوري للمرشح الديمقراطي المفترض. إنه قرار ذكي سياسياً، اذ بذلك يضمن ساندرز لنفسه دورًا أكثر أهمية في تحديد التوجهات ذات الأولوية للمرشح الديمقراطي مما لو بقي على هامش الحزب، ورؤية دعمه الانتخابي يتضاءل من تمهيدية إلى أخرى (على افتراض أن هذه الانتخابات التمهيدية قد تجري).

مكاسب كبيرة
    إعلان بيرني ساندرز يضع حدا لخمس سنوات من الجهد لكسب الرئاسة، وسيكون من الخطأ الاعتقاد أن ساندرز خرج الخاسر. في الواقع، كان له تأثير قوي جدًا على الحزب الديمقراطي، رغم أنه لم يوافق أبدًا على الانتساب اليه رسميًا في مجلس الشيوخ. وبالنسبة للكثيرين، يمثل جو بايدن جمود الحزب الذي جلس باسمه في مجلس الشيوخ من 1973 إلى 2009، ثم شغل منصب نائب الرئيس من 2019 إلى 2017.
ان الحزب الديمقراطي الذي سيخوض الانتخابات في نوفمبر 2020 ببايدن زعيما، سيكون متخندقا بقوة أكبر على اليسار مما كان عليه عام 2016، وإلى حد كبير بسبب تأثير ساندرز.
   لقد سبق ان رأينا دليلاً ملموسًا على هذا التأثير في برنامج جو بايدن الانتخابي. بعد الترحيب بدعم ساندرز، أعلن بايدن أنه أضاف إلى برنامجه وعدًا برفع الحد الأدنى للأجور على المستوى الفيدرالي إلى 15 دولارًا / الساعة.
 ويبدو جليّا أن هذه اللفتة المهمة لصالح الجناح اليساري لحزبه، كانت أحد الشروط التي تمكن ساندرز من ايصالها الى خصمه السابق لمنحه دعمه.
   هناك العديد من العناصر الأخرى التي تثبت تحول الحزب الديمقراطي إلى مواقف ساندرز منذ عام 2016.
 لم يتمكن سناتور فيرمونت من نيل الموافقة على خطته لتوسيع التأمين الصحي العام، المتاح الان لكبار السن، ليشمل مجموع الشعب.
 ومع ذلك، فإن فكرة تعزيز التأمين الصحي العام من أجل الاقتراب من المثل الأعلى للتغطية التأمينية الشاملة، هي الآن محلّ إجماع داخل الحزب الديمقراطي، وهو ما لم يكن عليه الحال خلال إدارة أوباما.

سياق الأزمة
   لماذا جاء هذا الدعم دون تحفظ لجو بايدن في وقت مبكر جدًا من الحملة هذا العام بينما تردد ساندرز حتى النهاية في تقديم دعمه همسا لهيلاري كلينتون؟
 إلى جانب حقيقة أن التقدّم في السنّ يجبر ساندرز على التخلي عن أي محاولة أخرى، فإن التقارب الشخصي بين ساندرز وبايدن -الغائب بالتأكيد مع هيلاري كلينتون -قد لعب دورًا كبيرًا.
  وتجدر الإشارة أيضًا، إلى أن أزمة فيروس كورونا فرضت الصمت على مرشح جعل من التجمعات الحزبية الكبرى واحدة من أفضل أوراقه الرابحة، هذا إلى جانب حث الديمقراطيين ومعارضي الرئيس ترامب بشدة، على عرض صورة الوحدة التي يحتاجون إليها لكسب ثقة الشعب إذا كانوا يرغبون في إقناعه بتغيير طاقم السفينة في قلب العاصفة.

دوران رئيسيان
   سيظل تأثير بيرني ساندرز على اتجاهات الحزب الديمقراطي وحملة بايدن مهمًا، ولكنه لن يكون بلا سقف. على سبيل المثال، سيكون من المفاجئ أن يتم تحديد اختيار رفيقة بايدن -حيث تأكد الآن أنها ستكون امرأة -بناءً على طلب من ساندرز. ويمكن، على سبيل المثال، أن نفكر في تعيين إليزابيث وارن، التي كانت ستنال دون شك اعجاب الجناح اليساري للحزب المتعاطف مع ساندرز. ومع ذلك، يبدو أن هذا الخيار مستبعد، خاصةً بسبب تقدم سن سيناتورة ماساتشوستس. والمرشحة الحالية لهذا المنصب، السيناتورة عن ولاية كاليفورنيا كامالا هاريس، قد ضمت بعض الأفكار المركزية من برنامج ساندرز الى منصتها الخاصة، بما في ذلك “الرعاية الصحية للجميع».
    لذلك، سيكون الدور الأول للسيناتور ساندرز هو حشد اليسار الصاعد للحزب الديمقراطي لمرشح رفضه حتى الآن باعتباره اختيار الاستبلشمنت. ولتحقيق ذلك، يتحتّم على ساندرز ابتلاع جزء كبير من كلمات حملته في الأشهر الأخيرة من خلال الاعتراف بأن الناخبين الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية هم الذين وثقوا بشكل كبير في جو بايدن، وان اختياره ليس نتيجة اي مؤامرة من نخب الحزب.
   دور آخر أكثر حساسية، ويتمثل في إقناع الناخبين الشباب الذين خاب أملهم في السياسة، والعناصر الأكثر راديكالية من قاعدته الانتخابية، “بيرني بروس”، للانضمام إليه في دعم جو بايدن. عام 2016، لم يصوت العديد من الشباب الذين جلبهم بيرني ساندرز لحركته، وقام جزء كبير ممن رأوه كبطل للتغيير، بالتصويت لدونالد ترامب. ولإقناع الناخبين الأقل تعليما في القلب الصناعي السابق للبلاد، والذي منح الولايات الرئيسية لصالح ترامب عام 2016، سيحتاج بايدن إلى كل المساعدة التي يمكنه الحصول عليها، ودعم بيرني ساندرز في هذا الاتجاه سيكون ثمينا.

فلتبدأ الحملة الحقيقية
    ليقال ما يقال بشأن إمكانية استبدال جو بايدن بمرشح آخر على البطاقة الديمقراطية، فقد فات الأوان الآن. وباستثناء صدمة غير متوقعة وبشكل غير عادي، فإننا نعرف الآن المرشحين اللذين سيواجهان بعضهما البعض امام الناخبين في الخريف... ويمكن للحملة الحقيقية أن تبدأ.
   بتقاعده، اتخذ بيرني ساندرز خطوة حكيمة سياسياً. لقد حقق مكاسب كبيرة في السنوات الخمس الماضية، وإذا عاند وتشبّث بالبقاء في سباق وهمي، لكان عرّض هذه المكاسب للخطر، وأضرّ بقدرته على الاستمرار في العمل بفعالية في التجمّع الديمقراطي داخل مجلس الشيوخ من هنا الى وقت الانتخابات وما بعدها. ان برني ساندرز ينسحب... كفائز.