شخصيات في حياتنا
من خمسة وعشرين عاما كنت ضيفا على مجلس الشيخ محمد البابطين في منطقة الهدا بالرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، والشيخ البابطين من عائلة مثقفة ولها فرع في دولة الكويت، وللعائلة مسابقة أدبية عظيمة تطرح كل عام على مستوى الشرق الأوسط، كما أن المجلس يعقد كل يوم أحد من كل أسبوع في تمام السادسة تقريبا، وهو عبارة عن ندوة لمناقشة أهم التطورات الاجتماعية والسياسية والأدبية وغيرها من مناحي الحياة، ورواد هذا المجلس الموقر يضم ساسة وأدباء وشعراء ورجال أعمال، واليوم الذي شرفت أن أكون ضيفا عليهم كان من بين الحضور القنصل الكويتي ومدير الخطوط الجوية الكويتية ورجال أعمال وكتاب. وتناولت الندوة الجانب الاقتصادي في الشرق الأوسط، حتى جاء دوري في إبداء الرأي، وبدأت أصول وأجول متحدثا بكل جراءة بأن عاطف عبيد جاء رئيسا للوزراء لمهمة واحدة وهي التوقيع على مشروع الخصخصة والدليل أنه بعد القسم وفي اليوم التالي وقع على الموضوع المطروح الذي رفضه الجنزوري، ومدة الخمس دقائق ذكرت اسم عاطف عبيد أكثر من مرة والجميع ينصت، وأتابع ردود الفعل كانت كلها إيجابية، وجاءت كلمة مدير الخطوط الجوية لدولة الكويت بعد كلمتي مباشرة، وبعد أن أثنى على مضمون كلامي، منح عاطف عبيد حقه في رئاسة الوزراء ولم ينطق باسمه مجردا من الدكتور عاطف عبيد، وأوضح أن الدكتور عاطف عبيد كان أستاذه في جامعة القاهرة وتتلمذ على يديه، وبرر بأن الكرسي أحيانا يغير من طباع وتوجه بعض الأشخاص لكنه رجل فاضل ولديه علم وفير . عندما قال الدكتور عاطف بهت وجهي وكان إحساسي مخزى للغاية ولم أسمع من الندوة شيئا إلا بعد فترة، حين طلب وفد دولة الكويت المغادرة، وهنا جاء الدرس الثاني حين قال الشيخ البابطين نحن نفتح البوفيه في الثامنة والنصف لكن إكرام الضيف تركه على راحته، غير ثقافتنا في مصر، " دخول الحمام مش زي خروجه" لازم تأكل أنت بخيل ولا ايه" ثقافة لا تعرف أيهما الأصح لكن في النهاية غادرا المجلس، وفي توزيع الضيوف على المائدة جلس على رأس المائدة أكبر الحضور سنا، وأصر الشيخ محمد البابطين أن أكون بجواره، وبدأ يقدم لي ما لذ وطاب بنفسه، ومع أنني أعاني من القولون العصبي إلا أن الأكل لم يتعبني وقمت وكأنني لم آكل بل كان شفاء .
تعلمت من هذا المجلس الكثير مثل فن الإنصات وإعطاء كل شخص حقه وإن كنت ضده، وأبدي رأيي بعد الاستماع الجيد لأكوّن رأيا أستطيع من خلاله الإدلاء بدلو المعرفة فيه، وإلا أتمسك بالضيف وأضغط عليه وأنا لا أعلم السبب في طلب المغادرة لعل أمرا حل عليه ولا يريد الإفصاح عنه، أشياء كثيرة ورسائل علينا أن نتعلمها من أجل تطوير الذات وتنمية عقولنا بهضم كل الثقافات والمعرفة المتنوعة في هذا الكون .