مركب بلا صياد

مركب بلا صياد

مسرحية مركب بلا صياد للكاتب الإسباني إليخاندرو كاسونا من مسرحيات الأدب العالمي والتي تجمع في رسالتها بين صراع الطمع المادي والذي هو هاجس الإنسان في هذه الدنيا وما بين الضمير الإنساني الذي قد يمر مرور الكرام على بعض القلوب النقية والوفية فمن سينتصر في هذه المسرحية الطمع أم الضمير؟
تدور أحداث المسرحية حول رجل الأعمال ريكاردو، الذي خسر ثروته في صفقة مالية فاشلة. وبينما يعيش لحظة الانكسار يظهر له الشيطان "صوت الطمع" ليقدم له عرضًا مغريًا وهو أنه يستطيع استعادة المال والمجد السابق كله مقابل قتل صياد فقير يعيش بعيدًا عنه، في البداية يندفع ريكاردو نحو العرض وتعجبه الفكرة ويقبل عليها كمن يريد التهام فريسته، ولكن بعد لقائه بأسرة الصياد والتعرف على معاناتهم وأحلامهم البسيطة يوقظ ضميره، فيتردد بين المضي في طريق الطمع أو الإنصات لنداء الإنسانية.
بعد التعرف على أسرة الصياد أيقظ ريكاردو سؤال ضميره الإنساني: كيف يقتل صياد يعيش حياة متواضعة مع أسرة بسيطة، أكبر أمنياتهم أن يرجع لهم الصياد ببعض المال أو الطعام الذي يسد جوعهم!
"حوار زوجة الصياد: نحن لا نملك الكثير، لكننا نعيش سعداء، لأننا نملك بعضنا البعض" 
وفي الوقت نفسه  يحضر سؤال الطمع: إن هذا الصياد يعيش في بلدة بعيدة وليس له أي أهمية في هذه الدنيا حتى لو مات فلن يسمع عنه أحد سوى أسرته! 
أقتله وترجع لي أموالي ومكانتي الاقتصادية أم أتركه يعيش حياة البسطاء بين أهله وقريته؟؟؟
"جملة من حوار الشيطان لريكاردو: موت رجل فقير لن يٌغير شيئاً في هذا العالم، لكن ستعود حياتك مليئة بالمجد والمال "  
صراع داخلي بين الطمع والإنسانية فمن ينتصر ؟ "انتصر الضمير الإنساني" وترك ريكاردو الصياد يعيش مع أسرته وتخلى عن أمواله ووجاهته الاجتماعية.
رمزية الشخصيات، المركب بلا صياد: صورة لحياة بلا قيم، ووجود بلا معنى، الشيطان: رمز للجشع والرغبة في السلطة والثروة، الصياد: تمثيل للبراءة والنقاء الإنساني، ريكاردو: الإنسان الممزق بين الإغراء والضمير، بين المال والإنسانية.
المسرحية لا تقدم حكاية عابرة، بل تطرح سؤالاً جوهريًا: هل يمكن للإنسان أن يبني نجاحه على آلام الآخرين؟
جواب كاسونا واضح: النجاح الملطخ بالظلم "زائل" والثروة الخالية من الأخلاق والضمير الإنساني لا تجلب السعادة. فالإنسان يُقاس بما يقدمه من خير لا بما يملكه من مال.
“مركب بلا صياد” عمل أدبي يتجاوز حدود الزمان والمكان، لأنه يعالج قضية أبدية: صراع الإنسان الداخلي مع ذاته حين يواجه خيارًا بين الطمع والضمير. ومن هنا تبقى المسرحية حية في الذاكرة، لأنها تذكّرنا بأن المجتمع بلا قيم يشبه مركبًا في بحر هائج.. بلا صياد يقوده. ودمتم بخير ...