بين أنصار ومعارضون:
هل الانقلاب العسكري في مالي شر لا بد منه...؟
- خلال سبع سنوات، أثبت النظام أنه غير قادر على بناء جيش فعال رغم الدعم الدولي المتعدد
- «لقد أكملنا العمل الذي بدأه الشعب»، سلاح الجيش لإضفاء الشرعية على انقلابه
- في بلد يشهد انقلابه الرابع، يتوخى البعض الحذر ويدعـو الى عــدم إعطـاء الجيش صكـا على بياض
« يزداد بلدنا مالي غرقا يوماً بعد يوم في الفوضى والتسيّب وانعدام الأمن بسبب خطأ من يتحمل مسؤولية مصيره”، كان هذا التشخيص الواضح لإسماعيل واغي، نائب رئيس الأركان السابق لسلاح الجو في البلاد. في 18 أغسطس، شوهد وهو يتحدث على التلفزيون الوطني، محاطًا بضباط عسكريين آخرين. “نحن القوى الوطنية المجتمعة في اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب قررنا تحمل مسؤولياتنا امام الشعب وامام التاريخ».
رسالته هي بمثابة دليل ملموس للأشخاص الذين ما زالوا يشككون في ذلك: التمردات التي كانت مستمرة منذ الصباح في ثكنة كاتي، الواقعة على بعد 15 كيلومترًا من العاصمة باماكو، أدت فعلا إلى انقلاب.
وقبل ساعات قليلة من بيانهم المتلفز، اعتقل الجنود الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، ونجله كريم كيتا، ورئيس الوزراء بوبو سيسي، بالإضافة إلى عدد من أعضاء الحكومة الآخرين.
استمرارية الدولة تتلقى الضربة
يأتي هذا التدخل العسكري في اللعبة السياسية في مالي، والانقلاب الذي نُفِّذ في عام 2012 لا يزال حيا في الأذهان، رغم أنه ساهم في إغراق البلاد في الفوضى التي تواجهها اليوم.
وعلى عكس إخوانهم في السلاح الذين تحركوا عام 2012، حرص مخططو انقلاب عام 2020، المكونون أساسًا من كبار الضباط، حريصين على الاهتمام بخطتهم الاتصالية، على الصعيدين الوطني والدولي. فعن مصطلح “الانقلاب”، استخدموا “الاستقالة” بديلا.
لم يستغرق الجيش وقتًا طويلاً للقبض على الرئيس، وتلاه مباشرة بيان متلفز لهذا الأخير أعلن فيه استقالته. حجة أخرى طرحها الانقلابيون: على عكس أحداث 2012، لم يعبّروا عن رغبتهم في تعليق عمل المؤسسات.
ليس مهما، ففي نظر المجتمع الدولي، الذي أدان بالإجماع حركة الجيش، لا تختلف المبادرة عن الانقلاب.
«أكمل العمل
الذي بدأه الشعب»
انقلاب أم استقالة؟ بالنسبة لجزء من جماهير مالي، الكلمات في النهاية قليلة الأهمية. ما يهم هو أن الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، لم يعد في السلطة. ومن أجل طمأنة السكان، أقسم الجنود أنهم غير مهتمين بالسلطة، ويدّعون أنهم يريدون تنظيم انتقال سياسي في أسرع وقت ممكن. رسالة لقيت استقبالا حسنا في البلاد، وفي الساعات التي أعقبت إقالة الرئيس، خرج مئات الشباب بشكل عفوي إلى شوارع باماكو لتحية العسكريين وهم يهتفون “مالي حررت، مالي حررت».
«لقد جئنا لنشكركم، ونشكر الشعب المالي على دعمه. لقد أنهينا فقط العمل الذي بدأتموه ونحن نرى أنفسنا في معركتكم”، قال إسماعيل واغي للجماهير في تجمع جديد، أكبر حجما، في العاصمة، احتفالا بسقوط النظام القديم. “لقد أكملنا فقط العمل الذي بدأه الشعب”، هذا هو اليوم العنصر الأساسي في اللغة التي يستخدمها الجيش لإضفاء الشرعية على انقلابه.
ولئن كان هذا الانقلاب مفاجئًا في الخارج، وحتى لبعض الشركاء الدوليين المميزين لمالي، منهم السلطات الفرنسية التي لم تتوقعه، فقد سبق ان انتشرت شائعات في البلاد منذ عدة أسابيع.
على الساحة الدولية، تعني مالي انعدام الأمن والهجمات الجهادية، لكنها بلد أيضًا غرقت لعدة أشهر في أزمة سياسية معقدة تجاوزت قدرات الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، في السلطة طيلة سبع سنوات.
منذ يونيو، اجتمع ائتلاف متنوع، مؤلف من وزرائه السابقين وزعماء دينيين داخل حركة 5 يونيو -تجمع القوى الوطنية في مالي للمطالبة برحيله. ويلقى المعارضون اللوم على النظام جراء الفساد والمحسوبية، وعدم فعاليته في محاربة الجماعات الجهادية، والبطالة، وانعدام الآفاق للشباب. الا ان مصادقة المحكمة الدستورية على انتخاب، متنازع عليه، في مارس وأبريل، عشرات من نواب الحزب الحاكم هي القطرة التي افاضت الكاس والشعرة التي قصمت ظهر البعير. واتهمت هذه المحكمة، بالعمل لصالح رئيس الجمهورية.
تصاعد التوتر، ونظمت مظاهرات حاشدة في باماكو للمطالبة باستقالة الرئيس وتنصيب حكومة انتقالية. ثم تدخلت مجموعة دول غرب إفريقيا (إيكواس) بمباركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لمحاولة حل الأزمة. لكن هذه الوساطة لم تؤدي إلى أي شيء بنّاء. ورفض المعارضون التنازل عن مطلبهم الرئيسي: استقالة الرئيس.
في منتصف أغسطس، توقفت المفاوضات. وفي هذا السياق، قرر الجيش التحرك في 18 أغسطس.
من «السيد النظيف»
إلى «الرئيس الفاسد»
أعيد انتخاب إبراهيم بوبكر كيتا عام 2018 لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، وكان معارضا تاريخيًا سابقًا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في ذلك الوقت استفاد من عدة ألقاب: “الرجل ذو القبضة الحديدية”، “السيد النظيف”، “غير الفاسد”، “الرجل الذي لا يخون وعوده».
عام 2012، غداة الانقلاب الذي أطاح بالرئيس أمادو توماني توري من السلطة، تحولت الأنظار إلى إبراهيم بوبكر كيتا، الذي منح ثقة “تصحيح مالي أخيرًا”. وهكذا فاز في انتخابات 2013 الرئاسية بأغلبية ساحقة (77.61 بالمائة من الأصوات)، الا ان شعبيته تراجعت على مر السنين وأصبح اسمه مرادفًا للفساد.
سيرج ميشيلوف، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، ومدير العمليات السابق في وكالة التنمية الفرنسية، يلخص حالة إدارته على قناة “ال سي أي”: للماليين سبب لعدم الرضا عن حكومتهم! أهم شيء بالنسبة لأي مواطن هو السلامة، ومع ذلك، استمر الوضع الأمني في البلاد في التدهور منذ عام 2014، أي بعد فترة وجيزة من انتهاء عملية سيرفال (التي حلت محلها عملية برخان).
تأثرت جميع مناطق شمال وشرق بوركينا فاسو، بما في ذلك المناطق السياحية الساخنة. شلّ هذا التدهور الأمني التجارة والإنتاج: يتم اختطاف التجار من أجل الفدية، واغتيال المسؤولين. وهكذا وجهت سهام النقد للحكومة بسبب سوء إدارتها. تصاعد الفساد، حتى داخل الجيش، وتردد أن زمرة من الجنرالات منشغلة بممارسة الأعمال التجارية أكثر من القتال. وخلال سبع سنوات في السلطة، أثبت النظام أنه غير قادر على بناء جيش فعال رغم الدعم الدولي المتعدد «.
أحد أقارب الرئيس السابق، الذي كان يزوره مراراً في القصر الرئاسي، يعترف بأن الفساد وصل إلى مستويات جديدة في ظل رئاسته. “نجله كريم كيتا، الرئيس السابق للجنة الدفاع في الجمعية الوطنية، اساء له كثيرًا أيضًا. نحن نتحدث عن 9 مليارات فرنك أفريقي 13.7 مليون يورو من المكافآت المخصصة للعسكريين على الميدان كان قد حوّلها بدعم من مسؤولين آخرين في الجيش. ولو تخلى الرئيس عن ابنه وسلمه للقضاء، لكان من شأن هذا أن يهدئ الوضع، وما كنا وصلنا الى هنا... لكنه لم يستوعب ابعاد الوضع «.
يتهمه بعض الماليين بالعيش في “حياة باذخة” في بلد يعاني من الفقر وانعدام الأمن، غذّى كريم كيتا، الملقب أيضًا بـ “الرئيس مكرر”، التوترات في المشهد السياسي المالي منذ أن أصبح نائبا ثم رئيسا للجنة الدفاع في مجلس الأمة، منصب استراتيجي يوحي بأن طموح الأب هو إعداد ابنه لخلافته على رأس البلاد.
«انقلاب مناهض
للديمقراطية ولكنه ضروري»
انتشر الغضب من السلطة في النهاية. “البطالة هي المشكلة الحقيقية للشباب المالي. هناك شباب في حوزتهم أكثر من دبلوم جامعي يعملون في حرف بسيطة ويشغلون وظائف هامشية ومهينة، أن الشباب في وضع خانق، وعندما يرون أن القادة المحظوظين يلعبون بالمال العام، فإن ذلك يثير الإحباط”، يشرح محمدو سيسي رئيس المجلس الوطني للشباب المالي في فرنسا، الذي يعيش بين باريس وباماكو.
كثير من الشباب لا يحاكمون عملية الانقلاب العسكري، لأنهم يعتقدون أن تغيير النظام كان ضروريًا. إن دستور مالي واضح بشأن هذا الموضوع: الانقلاب جريمة لا تسقط بالتقادم. شرط أن يظل الشعب يثق في مؤسسات بلده... الآن هذا البند في القانون الأساسي لم يعد له أي مصداقية.
«لطالما واجهت مشكلة مع الانقلابات، فهي تبطئ من سرعة البلد، لكن الوضع الذي وجدت البلاد نفسها فيه يتطلب حدوث شيء ما. قمنا بمظاهرات لكن لم يحدث شيء، فقرر العسكريون ضرورة الانقلاب. يسعدنا أن نتمكن من إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، صحيح أن هناك بعض المخاوف بشأن الانتقال، لكن على الأقل سيسمح لنا هذا التطور استكمال المشوار، تقول حواء، وهي ناشطة شابة مناهضة للفساد تجندت في الأشهر الأخيرة ضد النظام القديم.
من جانبها، نيني، وهي فرنسية-مالية، خريجة معهد الدراسات السياسية بباريس، والتي عادت للعيش في باماكو قبل ثلاث سنوات لتطلق مشروعا في بلد والديها، تشير إلى نفس الملاحظة. “من وجهة نظر ديمقراطية، لا يمكننا أن نكون سعداء بالطريقة التي غادر بها إبراهيم بوبكر كيتا. في المقابل، من حيث الجوهر، فإن الادعاءات المقدمة شرعية تمامًا. هذا الانقلاب، الذي لا أسميه على هذا النحو، هو ثمرة سنوات عديدة من الإحباط والإهمال وازدراء حقوق الشعب المالي وكرامته. ففي السنوات الأخيرة، تدهور الوضع، وتضاعفت المجازر والفضائح السياسية والمالية في جميع أنحاء البلاد. ولو انه تم اتخاذ قرارات وردود فعل حازمة مع كل طعنة تم توجيهها إلى الشعب المالي، ما كنا لنصل الى هذا الوضع».
تحديد شروط الانتقال
ماذا عن المرحلة الانتقالية؟ هل ينبغي أن يقودها عسكريون أم مدنيون، كما تدعو الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، التي حددت للمجلس العسكري مهلة تنتهي 16 سبتمبر لتعيين رئيس مدني ورئيس وزراء؟
تعتقد نيني بخصوص هذا السؤال: “لا أرى سببا لمعارضة العسكريين بالمدنيين... ان العسكريين شرعيون أيضًا، فهم ليسوا عناصر خارجية عن النظام استولوا على السلطة بالقوة. بالنسبة لي، ما يهم هو ما سينبثق عن المشاورات الوطنية التي أطلقها المجلس العسكري، ومالي الجديدة التي ستظهر».
موسى، مؤيد للانقلاب، لديه رأي أكثر حدة في هذه القضية، “أنا أؤيد عملية انتقالية يقودها الجيش حصريًا. لقد فشل السياسيون، ولم نعد نثق بهم. حتى المعارضين اليوم، هم مجرد أشخاص فشلوا في الاستفادة من النظام. انظر إلى ملفاتهم الشخصية، فالعديد منهم وزراء سابقون لإبراهيم بوبكر كيتا أصبحوا معارضين بين عشية وضحاها. فمنذ استقلال مالي نفس الوجوه، نحن بحاجة إلى رجال جدد... دعوا العسكريين يقودون العملية الانتقالية، أنا أثق بهم أكثر من السياسيين «. لكن في هذا البلد الذي يشهد انقلابه الرابع، والذي عانى من دكتاتورية دموية من عام 1968 إلى عام 1991 في ظل نظام موسى تراوري، يعتقد البعض أنه يجب دائمًا توخي الحذر من الجيش، وعدم إعطائه صكا على بياض.
محمدو سيسي، رئيس المجلس الوطني للشباب المالي في فرنسا، هو أحد هؤلاء. إنه يحذر الأشخاص الذين يتسرعون في اعتبار العسكريين محررين للشعب، “يتحدث الكثير من الناس عن هذا الانقلاب على أنه تحرير مالي، لكن علينا توخي الحذر، يمكن أن ينحرف. لقد رأينا أن إبراهيم بوبكر كيتا كان يُنظر إليه بعد الانقلاب العسكري عام 2012 على أنه رجل العناية الإلهية، وانظروا الى اينا أوصلنا».
ويضيف: “يجب أن نستعد الآن لما بعد الانقلاب، يجب ألا نتسرع في تنظيم الانتخابات، ويجب أن نغيّر الدستور، وأن نأخذ الوقت الكافي للقيام بأشياء، وإلا فسيحدث انقلاب آخر خلال أربع أو خمس سنوات... ستكون عودة أبدية لمالي”، أطلق سيسي في شكل تحذير امام النشوة التي سادت البلاد منذ 18 أغسطس.