مساحة نستعرض فيها الأفكار والإبداع بهدف إثراء الحياة الثقافية يعبر القارىء فيها عن رأيه ولا يمثل وجهة نظر الصحيفة نتلقى مشاركتكم عبر الايميل
abdalmaqsud@hotmail.com



حكايات إماراتية .. التلي
الأزياء الشعبية هي خير لسان للتعبير عن العادات والتقاليد للشعوب وهي من أهم الوسائل المستخدمة في الكشف عن تراث الشعوب عبر الأجيال، وفي الإمارات اقترنت الأزياء بالذوق الفني الرفيع واللمسات الفنية الجمالية وهذا ما يظهر بوضوح في الأزياء الإماراتية النسائية التي أبرزت المرآة كقيمة جمالية وأخلاقية.
وقد اهتمت المرآة الإماراتية  بالتطريز بشكل كبير واعتنت بوضع الزخارف على أطراف الثوب الذي كان من دوره إعطاء الثوب جمالاً ورونقاً ومن أهم التطريزات التي عرفت بدولة الإمارات هو التلّي، الذي يعتبر ومهنته من أكثر المهن انتشاراً في البيوت الإماراتية، والتلي من فنون التطريز وهو مشغولة عبارة عن عملية منظومة بشكل هندسي مرتب، وهو عبارة عن بكرات تجتمع فيها خيوط القطن البيضاء مع بكرة من الفضة وتتشابك معها في أكثر من تطريز حيث يعتمد في تنفيذه على أدوات ومواد بسيطة متوافرة لدى المرآة الإماراتية.
والتلي يعتبر جزءاً مهما من التراث المادي الجمالي في المجتمع وهو من أعرق وأقدم الصناعات التطريزية في الإمارات، فهو فن ومهنة نسائية مُورست وتداولت في البيوت وبين الأقارب والجيران، وفي القديم كان يتوجب على الفتيات عندما يبلغن العاشرة تعلمها من أمهاتهن وخاصة أنه في تلك الفترة لم يكن هناك مدارس أو معاهد لتعليم الحرف والصناعات.
ومن أهم أدوات التلي الكاجوجة أو الكجيمة كما تسمى أحياناً وهو عبارة عن كرسي معدني مصنوع على شكل قمعين متقابلين ويتربع على قمة القمع العلوي وسادة قطنية محشوة اسطوانية الشكل تثبت وعليها ست بكرات من خيوط الصوف وواحدة من الخوص بواسطة الدبابيس، والخيوط القطنية عادة ما تكون على جانبي شريط التلي يتوسطا خيط الخوص الفضي والذي كان دارجاً استخدامه في الماضي فقد كان اللون الفضي والذي كان من الفضة الخالصة هو الدارج في ذلك الوقت إلا أنه مع توسع السوق تنوعت ألوان الخوص العديدة.
ويدخل التلي في أنواعه وتشكيلاته دهاليز طويلة ومتشابكة ذات أسماء تدخل في مضامينها الحجم والسمك ونوع التطريز، وهي محدودة قديماً حيث استخدمت في تطريز بسيط مركب على كم الكندوره أو الثوب وأحياناً على الرقبة وأيضاً على كم أو نهايات السراويل الصغيرة، كما أنها تسمى البادلة الكبيرة عندما يتم تركيبها على السراويل الكبيرة باختلاف تركيبها والبادلة هي ما تكون عادة القطعة التي يتم تجديلها على الكاجوجة وتجمع بتكون القطعة المركبة على السروال وتأخذ وقتاً طويلاً في تطريز وتنسيق جميع أجزائها، وسميت بالبادلة لإمكانية تبديلها واستخدمها من سروال لأخر.
وكما تطورت الحياة بتطور الذوق العام وتنوع أشكاله بما يتماشى وحاجة السوق ورغبته، وفي هذا دخلت قاموس صناعة أو مهنة التلي بعض المفاهيم الجمالية الحديثة والمرتبطة بالتشكيلات البسيطة غير المعقدة لتدخل في تحديث بسيط وجزئي ارتبط بالتشكيل وليس بأساس التطريز، ومنها تلي بو فضي الذي يطرز بنفس طريقة التلي التقليدي عدا خيط الخوص الأوسط فضي اللون يتخلله لون أخر بحجم الرز، وتلي التعاون وهو مشابه للتلي العادي ولكن يفرقه انه كل مترين يكون لون واحد من ألوان الخوص الوسطي مع توحيد اللون على الجانبين لكل الأمتار المطلوب تشكيلها، وتلي الشطرنج ويوجد فيه لون الخوص في الوسط وتتغير الخيوط الجانبية بالتناوب، وتلي بو جنب وتختلف فيه الخيوط في الجانب الأيمن عن الجانب الأيسر.
وتعتبر مطرزات التلي محصورة في الإمارات وعمان فقط وهو فن ومهنة متوارثة من الجدات إلى الأمهات إلى البنات لذا لا يخلو بيت في الإمارات من سروال أو ثوب أو كندورة من تطريزات التلي حتى يومنا هذا.
مازن تميم /كاتب صحفي



المرأة العربية
من أسوأ ما زرع عمدا فينا وفي غفلة منا، هو أن نجور على النساء، لأنهم الأضعف حسب التصور المعتل، فنظن أن المرأة كلأ مستباح، وخصوصا إذا كان لنا عليها الولاية، فترى سوء المعاملة لزوجة أو بنت أو أخت، أو حتى لجارة أو نسيبة أو قريبة، وإن كانت غريبة فهي مطمع ويا حبذا لو كانت أرملة أو مطلقة أو يتيمة،  ففي خيالاتنا المريضة أنها صيد سهل المنال، لكن ما يجرحنا، ويدمي قلوبنا أنهن صابرات يتسمن بالجلد والقوة العاتية والقدرة على إدارة شؤونهن وتربية أولادهن وهن وحيدات.
ويا جمال المرأة التي تفقد الرجل بانفصال أو بوفاة الزوج وتراها تقف صامدة قوية، تدبر شؤونها بعزم وحزم يعجز عنه الرجال، فتربي أبناءها خير تربية وتنشئهم خير تنشئة، فمن يستطيع من الرجال أن يعمل ويربي ويدير شؤون أولاده وحيدا، رأيت نساء كثيرات تفوق أعدادهن الحصر، طلقن أو فقدن أوزواجهن وهن شابات صغيرات، فرى الواحدة منهم وقد ربطت على قلبها وتحولت ألى راهبة تستغني عن كل الرجال، وتفني عمرها في تربية أولادها خير تربية.
كم من أطباء ومهندسين ومدرسين وصناع مهرة وتجار ناجحين منضبطين يسرون العين من حسن تربيتهم ودماثة أخلاقهم تربوا على يد أمهات فقدن أزواجهن ،و قد تجد ما هو أعظم من كل هذا تلك التي حرمت نفسها من كل شيء، وسخرت كل طاقتها لتربية جيل رائع ولا تنتظر حتى من أبنائها الذين وهبتهم عمرها، بل تربي لهم أولادهم وتصلح لهم حياتهم وتساعدهم على الاستقرار، وحل مشكلاتهم، ما كل هذا البحر من العطاء، والفيض من الحنان ويستطيع أن يجازيها عن كل ذلك، لكي تفهم هذا لابد أن تعيش حياة الناس، قصصهم وآمالهم وأحلامهم، لترى عن قرب تفاصيل صورة لامرأة وحيدة، يسمونها عزباء، مطلقة ، أرملة؛ أو مرأة معيلة، وهي المطمع لكل سفيه يراها ثمرة ناضجة حلوة سهل الحصول عليها، أو الوصول إليها، ولكن لايرى الجانب الإنساني، والعقلي الراقي والمضحي بكل شيء فيه راحته ومتعته؛ لتحقيق هدف واحد وهو تربية الأولاد وتنشئتهم.
في كل بقاع الأرض ترى النساء حين يفقدن الرجل ولديهن أبناء يستطعن أن يكن أما وأبا، ويقمن بذلك بسهولة ويسر وكأنهن خلقن لذلك، ولكن كم يصبر الرجل أن يعيش دون امرأة، فقالوا إن الرجل ينتقل من أحضان  أمه، إلى أحضان زوجته، ولكن لم يستوعبوا أنها هي التي تحتضنه صغيرا و كبيرا وزوجا، ليظل ينعم برعاية المرأة ويستظل بظلها حتى تنتهي الحياة .
د. محمود عبد الغني



في أحلامنا حياة أخرى
البعض منا تطوف عليهم أحلام وآمال وطموحات تعانقهم أينما ذهبوا ودائما هؤلاء الأشخاص يشعرون أن الأحداث من حولهم  كعلامات ترسل لهم من حين لآخر لتجعلهم دائما عندهم ثقة في قدراتهم و أنها سوف تحدث في يوم من الأيام لتكتمل الصورة التي يرغبون في الوصول إليها.
من الممكن الإنسان يحلم أثناء نومه من كثرة التفكير العميق فتزداد رغبته أكثر فأكثر في السير قدمًا نحو هدفه وحلمه الذي يتمناه، قد تطول المدة اًو تقصر ولكن الحلم باق أمام عينه ثابت والعلامات تكثر شيئا فشيئا ويبقى السعي الجاد واضح مع الثقة التامة بقدرات الله .
من المؤكد أن الحلم بدايته فكره نسعى لتحقيقها سواء تم تحقيقها أم لا فهي في حد ذاتها تشعرنا بالسعادة ولكن عندما تمتزج بعامل الطموح  سيكون حافزا قوياَ لتحقيق هدف يبدو للوهلة الأولى شبه مستحيل ولكن بالصبر يتحقق لك المستحيل ، فبناء جسر من الأمل يعيد للحياة بريقها وتبدو أثر جمالًا.
فإذا أردت أن تحقق حلمك عليك صنع الطريق بنفسك وتضع نقاط قوتك أمام عينك فلن يستطيع أن يوقفك أحد عن تحقيق هدفك والنجاح فيه، وإن حدث وفشلت في طريق اخترته فحاول أن تتخذ طريقًا أسرع و اعتبره درسا لمسيرة نجاحك، تعامل مع الحياة بكل صدق وابنِ مدينتك الفاضلة بنفسك، فحلمك ممر  لكنوز الأمل في الحياة.
نهلة خرستوفيدس /كاتبة



صورة ورقم
تطأ الاقدام الكثير من الصور المنتشرة في الشوارع وأمام مراكز التسوق بشكل غريب، كل صورة تعبر عمن فيها وتحمل تداعيات وإسقاطات لما تتبناه صاحبة الصورة، فوجود الصور على الأرض يجعل المارة مطأطئي الرأس يحملقون في السباق العنيف بين صاحبات الصور في إبراز ما يلفت النظر ويستوقف المشاهد ويجذب ضعاف النفوس.
زيادة الصور بهذا الشكل تجعلنا نفكر في الأسباب التى أدت إلى هذه الظاهرة الجديدة على مجتمعاتنا، أن تجد صورة لسيدة بشكل مسف في حيز لا يتجاوز الكروت الشخصية وعليها رقم الهاتف للتواصل، وإما توضع في زجاج نافذة السيارة أو على الأرض بالشوارع وكأنه غزو في كل مكان، والمدهش أن السيدات يتمتعن بقسط لابأس به من الجمال خاصة وأن كل منهن تتفنن في إبراز إمكانياتها في الصورة معلنة عن رغبتها في أداء عمل مقابل أجر.
والسؤال هل الصورة تعود فعلا لصاحبة الهاتف، أم أن الصور من أدوات الجذب والتشويق والوجه الحقيقي مختفٍ خلف رقم الهاتف، كما نرى صور للدعاية على واجهات صالونات الحلاقة المتواضعة لنجوم هوليوود وقصات الشعر لشخصيات ربما لم يروا الحي الذي فيه الصالون، ولو على الفرض موجود ما تنازل وجلس أمام هذا الحلاق، فكثير من الصور تعبر عن الصنعة والحرفية والقدرة على مزاولة المهنة وتنفيذ المطلوب مثل هؤلاء أصحاب الصور، وكذلك صالونات التجميل النسائية التي على واجهاتها صور لفنانات وسيدات مجتمع لعرض قصات شعر متنوعة وتجميل متميز.
فيما مضى كانت صور النساء ونشرها في الصحف تعد عيباً، وخوفاً من قص الوجوه واللعب على تطبيقات الفوتوشوب وتشويه سيرة صاحبة الصورة بوضعها على جسد راقصة وما شابه، لكن اليوم وعلى السوشيال ميديا والتطبيقات الحديثة نجد شخصيات عادية تبادر بما كنا نخشاه في الماضي، وتحدث العلماء عن هذه الظواهر المرضية على أنها البحث عن الشهرة أو التحصيل المادي من خلال عدد الزيارات والمشاهدات، كما هو الحال في نشر الصور والهاتف لتحصيل الأجر في الواقع بعيدا عن الحياة الافتراضية.
انتشار هذه الصور تزامن مع تفشي مرض كورونا، فهل التغيير الاقتصادي للفرد وزيادة البطالة أجبرت البعض عن التنازل والانخراط في طريق مغاير عن السبل السليمة، حتى ولو الأمر كذلك كان ينبغي على صاحبة الصورة أن تفكر ملياً في عرض نفسها بهذا القالب، ولتكن معتزة بنفسها بعيدا عن الإسفاف وتبحث عن عمل يقيها من حر الشمس ونعال المارة وهي ترقد على الرصيف بلا رحمة ولا هوادة، فضلاً عن رصيدها المتزايد من الذنوب وهي نائمة في سلام.
محمد أسامة



شواهد من اللغة
قرأت مؤخراً إصداراً أدبياً ثرياً بالمعلومة الوافية بعنوان  "شواهد من اللغة العربية في ضوء الاهتمام العالمي بها " يضاف إلى باقة من الإصدارات الفكرية للمؤرخ والأديب التربوي الدكتور تنيضب الفايدي، عام 2016م وجاء الكتاب في حينه ، ونحن نستقبل اليوم العالمي للغة العربية وبمكانتها السامية التي يتحدث بها مئات الملايين حول العالم، وهي إحدى ست لغات معتمدة بالأمم المتحدة،  كما تم اعتمادها ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل فيها.
 تتناول تعريف اللغة وأهميتها و وظائفها بصفة عامة ، من حيث إنها وسيلة للتفاهم والتخاطب، والتواصل والتعبير عن النفس البشرية وعواطفها ومشاعرها واحتياجاتها، وتوثيق تاريخ المجتمعات وحضارتها وعلومها ومعارفها ،ومآثرها وبطولاتها وأخلاقها وقيمها.
وبالتالي أشار لدورها في بناء الحضارة الإسلامية  والهوية الوطنية لدى شعوب العالم العربي ، ومساهمتها في النمو الفكري، أما عن مميزاتها فعدد منها الاشتقاق والمرادفات والأضداد والإعراب ودقة التعبير، وتطرق إلى مجموعة من التحديات التي تواجهها كالدعوة للعامية ، واستخدام الأحرف اللاتينية ، ودخول اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات على وسائل الإعلام العربية المرئية والمسموعة ، و لم يغفل ذكر أهم العلماء الذين ساهموا في خدمة اللغة العربية وإصداراتهم التي تعد مرجعا مهماً للغة  كما أشار ابن خلدون في مقدمته بقوله  " أدب الكاتب لابن قتيبة وكتاب الكامل للمبرد وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وكتاب النوادر لأبي علي القالي وما سوى هذه الأربعة فتوابع لها وفروع عنها " كما أضاف ركنا خامسا وهو كتاب فقه اللغة وسر العربية للإمام اللغوي أبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي.
وتناول أيضا دور الأدب و الشعر العربي وتطوره و وظائفه، كما استعرض العديد من الشواهد البلاغية في اللغة و شواهد من الحكم وشعر الغزل،  وذكر أسماء عديد من الأئمة والعلماء كان لعلمهم وأدبهم وشعرهم دور في حفظ اللغة العربية.
 في اليوم العالمي للغة العربية تعهدها درساً وحفظا واعتزازا وانتماء ، والتغني بمزاياها والتنعم بجماليتها ، والتمتع ببلاغتها وفصاحتها ، وتعليمها أجيالنا الحالية ، وتوريثها للأجيال القادمة،  لتكون دوماً لغة الحضارة والعلم والثقافة والفن والأدب على مر العصور ، فهي لغة القرآن الكريم والنبي الأمين وهي لغة أهل الجنة ، ولطالما كانت لغة طلبة العلم في أوج الحضارة العربية والإسلامية.
جمال بنت عبد الله السعدي



استراتيجية الخوف
الخوف هو فكرة مرضية سببها برامج في العقل الباطن وهو شعور غامض مصحوب بتوترات في الجهاز العصبي والحسي يختلف من شخص لآخر حسب اختلاف البيئة والتربية وطبيعة الشخص، حيث إن رسائل الخوف التي يرسلها الدماغ تؤثر في ثقة الإنسان بنفسه و تترجم في سلوكه أو تظهر على  شكل أمراض كالإرهاق وضيق التنفس وغيرها، ولا توجد أسباب محددة للخوف فمن الممكن أن يكون فطرياَ أو بسبب مشاعر سلبية نتجت عن حوادث معينة أو صدمة ترافقت بحزن وألم شديدين فقام العقل الباطن بتخزينها لتظهر عند التذكر أو رؤية المكان نفسه، وقد يكون بسبب الخوف من المجهول أومن الفشل أومن المجتمع ومن آراء الآخرين.
 ويمكن علاج الخوف علاجاَ نفسياَ أو علاجاَ طاقياَ من خلال مسارات الطاقة، لكن يجب أن تكون هناك الشجاعة الكافية لدينا لفكرة التغلب على الخوف والتي تكمن في مواجهة المخاوف نفسها و عدم تجنبها وسنكتشف عندها أنها وهمية وأقل بكثير من الحجم الذي تصورناها به كما يجب ممارسة التمارين الرياضية لأنها تساعد على زيادة التركيز والتخلص من المشاعر السلبية واستبدالها بإيجابية، لان الشجاع والجبان كلاهما يخافا لكن الفرق بينهما في من يتغلب على مخاوفه و يخرج من الضعف إلى القوة فالشجاعة لا تعني غياب الخوف بل الانتصار عليه، لذلك لا بأس أن تعيش الخوف وأن تستشعره ولكن أقدم على أية حال و تحرر من سجن مخاوفك وافعل الشيء الذي تخشاه فتقتل الخوف في داخلك قبل أن يتحول إلى داء يتغلغل في كينونتك ويمنعك من تذوق لذة الحياة.
منال الحبال /إعلامية



أعدقاء لا أصدقاء
في واحدة من أهم فعاليات الحياة ، حين يبادرك أحدهم بإعلان الصداقة جهاراً نهاراً ، فتخشى عليه إن كان في تمام وعيه وكماله ، أو أنه قد أصيب بلوثة عقلية ، ولا يعي ما تعني الصداقة ، خاصة وأنه على مر التاريخ الإنساني لم تشهد البشرية صدوقا أعلن صداقته بصدق تام ومطلق .
الصداقة اليوم لازالت محتفظة بأحرفها ، ولكن بلا أي معنى أو قيمة ، ولست متشائمة من عدم وجود الأصدقاء ولكني غير متفائلة بالمدعين إليها نسباً وأنها من بقية أقاربهم ، فالصداقة ومن يدعونها كأنهم أحباب لم يتركوا كورنيشاً في أي إمارة إلا وذهبوا إليه بأكياس اللب والشبسي . عندما تزخرف الأنانية بالكذب وترتبط بالمصالح الفردية ، لا بالمصالح المتبادلة ، حينها يسرني إشهار سيوف المقاطعة لقطع كافة الطرق المؤدية لسلب آخر ما تبقى من أهداب الفضيلة المتبقية من قيم الصداقة ، ومن قطع ألسنتهم وأفواههم النافثة سموم الحقد المغلف باللهفة والقبل.
 لم تكن من الله إلا جنيا لغرس كان وليس عام نحس كما يظن البعض ، ولكن ما حدث ليس إلا لتراكمات وهنيئاً لمن فهم وعلم وأدرك ومن لم يعي فليس له عندي عزاء.
ميرا علي /كاتبة



كوابيس القمر
انتظر نصف الشهر دائما ليغدوا القمر بدرًا معلن عن انتصاره على الجميع ويقف عاليا حالمًا، مختلفا، وباختلافه تختلف حياتي، تقف عند قدميه عطشى لرؤيته،  خمسة عشر يوماً تمر، كأنها دهر، وحين يأتي الموعد تتغير حتى الأحلام وتتفتح الورود البيضاء لتستقبلني في العراء، أما أهل القرية، تراودهم كوابيس ” البدر“ لست عاشقة  والبدر كناية عن حبي، لا أبدا ولست من فصيلة الذئاب أتحول عند اكتمال القمر، لألتهم أهل قريتي، فهذه قصة قديمة كانت ترويها جدتي لنا في طفولتنا حتى لا نخرج في ليلة اكتمال القمر، وعلى العكس تماما كانت ترحل هي لتعود بعد يوم تشع جمالا وعيناها تغرق ببريق الليل وكأن البدر قد أصبح جزءاً من تكوينها،  ولأنني كنت ألحقها إلى أن تختفي ولا أعلم أي درب سلكت، أخذت أسأل هنا وهناك، إلى أن أثرت الشك في القرية، وعلمت جدتي أنني لن أهدأ أبدا، وقد أثير الشائعات دون قصد طبعا ، ولكن لن ينفع الحديث لاحقا، وعدتني في اكتمال القمر التالي ستحكي لي الرواية كاملة، وانتظرت مرور الأيام، ليأتي لي القمر ويشهد على حديث جدتي، وقفت أمام الباب حتى لا تغافلني وتختفي دون أن أراها انتظرت طويلا، لتأتي لي بلباس مختلف، وشدتني من يدي : بكلمة واحدة قالت : هيا، وصلت إلى نصف الحقل ، هنا نجتمع لننتقم من أهالي القرية، نزور أحلامهم نشوهها ونعذبها ، نجعل السعيد في أسوأ حالاته، هنا يفتح باب إلى عالم آخر، عالم يمكننا نحن أسياد القرية أن ننتقم من كل من أساء لنا، ولكن يا صغيرتي لا تستطيعين أن تكملي الطريق معنا ، فأنت طفلة والدخول هنا يتطلب شجاعة ، تضحية ، قوة ، وأنت مدللة ضعيفة، لا تكادين تنفعين أو تضرين أحداً، لقد أخذتك لأنك أثرت الشك، وأن استمريت بالحديث ستري الويل منا، شعرت بالحزن ، أردت الرجوع إلى البيت ، باكية ، مدللة كما قالت ، ولكن وقفت للحظة ، وما التضحية يا جدتي؟ لست جدتك ، فأنت لا أقرباء لكِ وجدناكِ على حافة النهر، لم تكتف جدتي بإهانتي أول مرة ، لتطعنني في المرة التي تليها، قاسية، باردة ، ذات رائحة كريهة، لم أهتم لكلامها وانتظرت عند ذلك الباب، وقد حضرت عدة نساء بقلب أسود ، وحين فُتح باب في الأرض، أسرعت وتسللت إلى الداخل، كان عالماً مختلفا تغير وجه جدتي إلى السوء ، بدت مخيفة وكبيرة جداً، أكبر مما هي عليه ، وجهها مختلف كأن الجاذبية سحبته إلى الأسفل أكثر وأكثر، عيناها خاليتان وكأن القمر سكن مكانها، وانحناء ظهرها كاد أن يقسمها إلى نصفين ، أما صوتها كأنه صوت صراخ رجل والمسمار يطرق في يده، التفتت انتبهت هناك ظل غريب، أنا في عالمهم، غضبت بل ثارت وأصبح صوتها أقوى ، لم أستطع أن أتحمله أضع يدي على أذني : جدتي أرجوكِ توقفي، ولم تهتم استمرت إلى أن سقطت على الأرض، لا أقوى على النهوض، هنا فقط ابتسمت وقالت : شاهدي ماذا سأفعل لأنك لم تطيعيني ، رسمت بيدها وأشارت إلى أن تكون أمامها بركة ماء وأخذت تحركها يميناً ويساراً بقوة، فظهر وجه أمي ، جميلة، نائمة بهدوء، نظرت لي جدتي وعاد صوتها للصراخ ويداها للحركة وكأنها تفتح رأس أمي وتضربه بشدة وتدخل أشياء فيه، لتتقلب هي في فراشها وتصرخ : أرجوك ابتعد، وتستمر جدتي بقوة أكبر في كل مرة، وأنا أبكي بحرقة وأصرخ تارة : أرجوكِ  لن أكررها ، تشاهدني جدتي، ابتسامة خفيفة على شفتيها : يا مدللة ، يا كريهة، وتكمل لعبتها، لم أستطع أن أشاهد أكثر أصبحت اقترب شيئاً فشيئاً دون أن تشعر بي، وحين كنت خلفها تمامًا دفعتها بكل قوتي إلى بركة الماء، فدخلت هي في رأس أمي، كانت جدتي تصرخ : ماذا فعلتي أيتها.... وتحاول أن تخرج، ولكن لم أمد يدي لها بل ضللت أشاهدها، علقت في رأس أمي ثم أدرت المياه لأخرج تنيناً منه وأمي معه ليبتلع جدتي، فهدأت ملامح أمي لتعود للنوم.
سمية أحمد الحوسني



الرحيل
الرحيل الحقيقي والبعد الدامغ لا يتحقق إلا مع انكماش العلاقة الإنسانية، والصدمة في الأحبة وابتعادهم عنا بدون مبرر، نعتبر في عداد الأموات حين نكتشف أن حياتنا ذهبت سدى وهباء على فكرة أو حلم أو حتى رؤيا في المنام، الرحيل يعني الرحيل بكل ما فيه من ألم ووجع وكسر للقلوب النابضة بالرحمة وسط زحام الأنانية والكره والمصلحة.
يتحقق الرحيل حين يعق الابن أمه وتكون مصدرا للعطاء المادي فإن جف هذا العطاء والمنحة تبدل الوجه وغاب عنها وهي تستجديه وتستحلفه أن تراه أو تسمع صوته وكأنها تتسول المشاعر من قلوب أغلقت على حجر لا يحس ولا يشعر، فيلم طويل يمر أمام نظر الأم حين تطلب من ابنها أن تراه فيأبى حتى أن يرد عليها.تنام الكلمات في جوف فارغ يئن من تعب الرحيل، وتبيض العيون ألماً على الفراق وبعد الغصن عن الجذع، فانفصال الحبل السري بينهما لا يعني الرحيل بينما هو قطع لوصل وبناء آخر وتوحيد جسدي من نوع آخر، الاهتمام لا يطلب لذلك الطريق يصير مسدوداً أمام القلوب والرحيل نتيجة حتمية لأسلوب الإهمال لمن كنا نعتقد أنهم من الأحبة.
محمد شعيب