آراء الكتاب
مساحة نستعرض فيها الأفكار والإبداع بهدف إثراء الحياة الثقافية يعبر القارىء فيها عن رأيه ولا يمثل وجهة نظر الصحيفة نتلقى مشاركتكم عبر الايميل
abdalmaqsud@hotmail.com
دار المسنين
زار نقيب الفنانين المصريين دار المسنين التي تستضيف الممثلين من كبار السن، الذين عملوا في الفن ولم يكن لديهم مأوى، وفي الحقيقة أن هذه الشريحة من المجتمع لها تعامل خاص، فبعد الشهرة والشعور بالأمان والزهو والأضواء تتراجع فجأة أو تدريجيا شهرتهم وعدم عروض العمل فيضطر لبيع مسكنه أو أثاث بيته، ليصرف على علاجه أو مستلزماته الشخصية، فمنهم من باع سيارته ليسد نفقات العلاج،
المهم أن نقابتهم اهتمت بهم ووفرت دارا للمسنين بغرض توفير الإقامة لكل من لم يكن لديه مأوى، أو دخل ثابت يعيش منه، صحيح أن دار المسنين من الأماكن التي مازال المجتمع رافضاً لها جملة وتفصيلاً، مع أنها دار للرعاية ومحاولة التخفيف عن النزلاء فيها بكل الطرق، لكن يظل المجتمع لديه حساسية من نزلاء الدار، ويأخذون على الأبناء مأخذ الهجوم لعدم رعايتهم آبائهم في آخر حياتهم، وكيف لابن أن يأخذ أباه أو أمه لوضعهما في الدار؟
هل فكرة تغير مفهوم دار المسنين واردة ؟ مع أنها موجودة ومرخصة من وزارة التضامن وعليها رقابة إدارية وصحية، أظن أنها ستتغير لأن الكثير من هؤلاء الناس الذين يعانون من الوحدة كثيرون، فممكن تكون الدار بمقابل مادي بعيدا عن النقابات والمؤسسات الأهلية، وتكون دور ضيافة لكبار السن، الهدف منها المؤانسة وتقديم الخدمة الصحية والترفيهية والغذائية، وتكون تحت إشراف الدولة نظير إيجار شهري مقابل الخدمة، هنا سيكون لدار المسنين هدف وتكسر فكرتها السابقة، لأن الدار ستكون بمثابة مكان للاستضافة والزيارات مفتوحة لذويهم.
بهذه الطريقة سيجد الأبناء مكاناً ينزل فيه الأباء والأمهات للترفيه والشعور باللمة والحياة، غير أن الناحية الصحية ستكون أفضل من الجلوس وحدهم بالبيت لا أنيس ولا من يرعاهم، وأحسن من وجود مدبرة للمنزل أو جليسة براتب شهري وتتركها بالليل، أما الدار فدائمة الأنس، ووجود من يرعاهم ويحدثهم تحت رعاية أبنائهم، فالدار تتحول إلى فندق دائم وتغيير المسمى سيحسن من صورة المشروع بالكامل.
خالد سالم
الضرب في المدارس
نرى في الوقت الحالي تخبطاً شديداً في العلاقة بين المعلم وبين الطالب في التعليم الأساسي، أصبحت العلاقة بنداً وكأن طالب العلم المحرك الوحيد للمنظومة التعليمية ومحور الكون، وفي نفس الوقت انسحب بساط التربية من مفهوم المعرفة التي يجب أن يحصلها الطالب، فمصطلح التربية والتعليم صار شعارا فارغا من المعني الحرفي للمصطلح، خاصة وأن التربية لم تعد موجودة ضمن القطاع التعليمي.
يرجع التخبط والارتباك في العلاقة إلى سن بعض القوانين مع تغيير جذري في المجتمعات، فكرة الضرب وحمل المعلم عصا تعتبر جريمة حالياً بمقتضى القانون، ما دفع التلميذ لتعنيف المعلم وسبه والتطاول عليه بالألفاظ الغريبة، وهذا التحول الغريب الذي حدث ناتج عن عدة موضوعات منها:
أولا: تعنيف المعلم من قبل الوزارة إذا تدخل بالضرب والتعنيف للتلميذ الخارج عن النص، لكن يقف التلميذ أو الطالب يجادل المعلم ويفرض سيطرته على الدرس، بل يحاول تعنيف المعلم لمعرفته مسبقا عدم الضرب أو فرض العقاب.
ثانيا: دعم أولياء الأمور لهذه التجاوزات ورفع قضايا على المعلم الذي يحاول أن يقدم العلم مع تجاوب التلاميذ، فيرهبهم بالعصا بدون ضرب، وبلفت الجرأة والتطاول أن الطلاب يدفعون المعلم حرفياً، وهذا لعدم منحه السلطة الكافية لردع أي تلميذ يقترب منه، فنجد النتيجة أن المعلم مكتوف الأيدي بحق القانون. لابد أن تعود العلاقة كسابق عهدها، احترام المعلم وتبجيله وتقديره من المجتمع، ومعرفة الطالب أنه خامة تأتي المدرسة لتحصيل العلم الذي هو بمثابة تصحيح المفاهيم والسبيل لوضعه على الطريق السليم لتحقيق أهدافه، وهذا لا يتحقق إلا بتكاتف المجتمع وإعادة هيبة المعلم لممارسة دوره بكل يسر بدون تجاوزات في الضرب المؤلم أو إهانة التلميذ والتقليل من شأنه، فقط للتهذيب ولفت نظره بالعقاب للحرص على التعليم والتحصيل العلمي المطلوب.
الشيماء محمد – خبير صحافة وإعلام تربوي
جرثومة المعدة
تعتبر جرثومة المعدة نوعاً من البكتيريا التي تعيش في بطانة المعدة، تتميّز بشكلها الحلزوني أو اللولبي، ويُعتقد أن ملايين الأشخاص حول العالم يحملونها دون ظهور أي أعراض أو مشاكل صحية عليهم، لكن في بعض الحالات يمكن أن تتسبب جرثومة المعدة في التهاب المعدة، والذي بدوره يحفز المعدة على زيادة إفراز الأحماض عن المعتاد، وهذا يزيد من خطر الإصابة بقرحة المعدة والأمعاء.
لا يُعرف سبب إصابة البعض بجرثومة المعدة، لكن ما هو معروف أنها مُعدية، ويمكن أن تنتقل من شخص لآخر بعدة طرق، منها، تناول الأطعمة غير المغسولة جيداً أو غير مطبوخة بشكل صحيح، شرب المياه الملوثة بالبكتيريا، التلامس المباشر مع لعاب شخص مُصاب، التلامس مع براز شخص مُصاب دون غسل اليدين جيداً بعد ذلك.
عادة ما تحدث الإصابة بعدوى جرثومة المعدة في مرحلة الطفولة، وهناك بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة، مثل: العيش في أماكن مكتظة بالسكان.، العيش مع شخص مُصاب بجرثومة المعدة.، قلة النظافة والمرافق الصحية غير الملائمة التي تساهم في انتشار البكتيريا.، الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض.
كما أن معظم الأشخاص الحاملين لجرثومة المعدة لا تظهر عليهم أي أعراض، ولا يعلمون بإصابتهم حتى، ولكن بعض الفئات قد تظهر عليها أعراض، مثل: الشعور بحُرقة في أعلى المعدة وقد يزداد أو يقل حسب نوع الطعام، ألم في المعدة، يزداد عندما تكون المعدة فارغة، الشعور بالامتلاء بسرعة حتى بعد تناول كمية قليلة من الطعام، الغثيان والتقيؤ، الانتفاخ المتكرر، فقدان الشهية، وبمجرد أن يعرف المريض إصابته بها وتشخيصها السليم وأخذ جرعات العلاج المناسبة لدرجة المرض وعمر ووزن المريض سيتحسن وتنتهي تماما.
حمادة الجنايني
نباتات وجسم الإنسان
إذا حاولنا أن نربط جسم الإنسان وشكل أعضائه بشكل النباتات، سنندهش من النتيجة، ويزداد التعجب عندما نعرف أن الثمرة أو النبات المشابه للعضو هو الغذاء المناسب له ولصحته، أي أن الثمرة تفيد العضو من الناحية الصحية والأفضلية في تناولها يستفيد العضو منها بشكل مباشر، ونعرض بعض هذه الأغذية وفوائدها منها، الجزر، والأفوكادو، والكرفس، والفاصوليا، الطماطم، والجوز، واللوز، والزنجبيل.
فاكهة الأفوكادو: تشبه الرحم في شكلها الخارجي مع شكل رحم الأنثى، ويُعرف عن الأفوكادو أهميته في دعم عمل الجهاز التناسلي، إضافة إلى أنه مصدر طبيعي لحمض الفوليك الذي تُنصح المرأة الحامل بتناوله مكملًا غذائيًا في فترة الحمل وحتى ما قبل.
الجزر: يشبه العين عند تقطيعه من الداخل بشكل العين، حتى في أدق تفاصيله التي تتشابه مع تفاصيل القزحية، والمذهل أن الجزر هو من الخضار المملوءة بالفيتامينات ومضادات الأكسدة مثل البيتا كاروتين الذي يقلل من احتمالات إصابة الشخص بالضمور البقعي وهو المسبب الأول في حدوث ضعف النظر لدى المسنين.
الكرفس: يشبه العظام، حيث أن سيقان الكرفس الطويلة تشبه في تكوينها العظام، وهي مصدر عظيم للسيليكون الذي يُعد جزءًا من التركيب الجزيئي للعظام والذي يمدها بالقوة، ما يجعل فوائدها للعظام جمّة.
الفاصوليا: على شكل الكلى، ليس فقط بالشكل، بل بوظيفتها المتمثلة في الحفاظ الصحي على عمل الكليتين.
البرتقال: والثدي يتشابهان في تكوين البرتقال والجريب فروت مع غدد الثدي لدى المرأة وهذا التشابه ليس محض صدفة، إذ يساهم البرتقال في المحافظة على صحة الصدر ويسهّل حركة الليمفاويات منه وإليه.
الطماطم: تشبه القلب لما تحتويه من عدة غرف داخلية تشبه غرف القلب في تكوينها، وقد أثبتت الدراسات أن مادة "الليكوبين" الموجودة فيها تقلّل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
الجوز والدماغ: يشبه تماماً الدماغ، يُقسم الجوز إلى القسم اليميني والقسم اليساري، والجزء العلوي والسفلي من المخ، حتى التجاعيد المكونة للجوز هي أشبه ما يكون بتجاعيد مخ الإنسان.
الزنجبيل: يشبه المعدة، جذر الزنجبيل يشبه المعدة، وتناوله يساعد في عملية الهضم وقد استخدمه الصينيون منذ أكثر من ألفي عام لتهدئة المعدة وعلاج الغثيان، وهو عادة يُعطى لتهدئة دوار الحركة.
اللوز والعين يتشابهان في الشكل الخارجي للعين، وباحتوائه على كميات عالية من فيتامين E يُعد مصدرًا مهمًا للحفاظ على صحة البشرة والشعر والعيون.
علاء رياض
دور الجامعات العربية في صناعة رواد التغيير
تبرز الجامعات العربية كمنارات للمعرفة والتنوير ، تحمل على عاتقها مسؤولية استثنائية في تشكيل جيل قادر على مواجهة تحديات العصر بثقة واقتدار ، ليست مهمتها مجرد منح الشهادات وتلقين المعلومات ، بل تتعداها إلى صناعة قادة المستقبل الذين سيحملون مشعل التنمية والابتكار في أوطاننا العربية.
تحظى الإمارات العربية المتحدة بمكانة متميزة في هذا السياق ، فقد استطاعت أن تؤسس لنموذج تعليمي فريد يجمع بين الأصالة والمعاصرة ، ويربط بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل ، بل واستباق متطلبات المستقبل بخطوات واثقة ، وفي قلب هذه المنظومة ، يبرز اسم الدكتورة ميثاء الشامسي ، وزيرة دولة سابقة ومؤسسة "مؤسسة الإمارات" التي لعبت دوراً محورياً في تمكين الشباب وتعزيز مهاراتهم القيادية والإبداعية .
لقد آمنت الدكتورة ميثاء بأن الاستثمار في العقول هو أنبل استثمار وأكثره عائداً على المدى البعيد ، وأن بناء الدولة الحديثة يبدأ من قاعات الدراسة ومختبرات البحث العلمي ، وقد ترجمت هذه القناعات إلى برامج ومبادرات ملموسة جعلت من الجامعات الإماراتية منصات لإطلاق المواهب وحاضنات للأفكار الخلاقة .
تواجه الجامعات العربية اليوم تحديات عديدة ، من أهمها تضييق الفجوة بين النظرية والتطبيق ، وتعزيز ثقافة البحث العلمي ، وتنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب ، وهنا يكمن التحدي الأكبر ، كيف يمكن للجامعات أن تتجاوز دورها التقليدي كناقل للمعرفة إلى محفز للابتكار وحاضن للإبداع .؟
لعل الإجابة تكمن في إعادة النظر في فلسفة التعليم الجامعي وأهدافه ، بحيث لا يقتصر على تزويد الطلاب بالمعلومات ، بل يتعداه إلى تنمية قدراتهم على التفكير المستقل ، وحل المشكلات ، والعمل الجماعي ، والتواصل الفعال ، كما أن ربط الجامعات بقطاعات الإنتاج والخدمات من خلال الشراكات والتعاون البحثي يسهم في تعزيز الصلة بين ما يتعلمه الطالب وما يحتاجه المجتمع .
إن النماذج الناجحة في الإمارات وبعض الدول العربية الأخرى تؤكد أن الجامعة ، عندما تؤمن برسالتها وتستشرف المستقبل وتستثمر في طلابها ، يمكنها أن تكون محركاً حقيقياً للتنمية والتغيير ، فالطالب الذي يتخرج من جامعة تشجع الإبداع والمبادرة ، ويتمتع بمهارات القرن الحادي والعشرين ، سيكون قادراً على المساهمة الفاعلة في بناء وطنه وأمته.
وهنا يجب الإشارة إلى دور أعضاء هيئة التدريس كقدوة وموجه للطلاب ، فهم الذين يغرسون في نفوسهم حب المعرفة والبحث والاكتشاف ، ويشجعونهم على تجاوز حدود المألوف والتفكير خارج الصندوق ، كما أن البيئة الجامعية بما تتضمنه من أنشطة ومبادرات طلابية تسهم في صقل شخصية الطالب وتنمية مهاراته القيادية والاجتماعية .
تظل قصة نجاح الدكتورة ميثاء الشامسي ورؤيتها للتعليم والتمكين مصدر إلهام للمؤسسات التعليمية في العالم العربي ، فقد استطاعت أن تحول التحديات إلى فرص ، وأن تجعل من التعليم جسراً للعبور نحو مستقبل أفضل ، وهذا ما تحتاجه جامعاتنا العربية اليوم ،رؤية واضحة ، وإرادة صلبة ، وإيمان راسخ بقدرات الشباب على صناعة الغد .
إن الجامعات العربية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تبني استراتيجيات تعليمية تتجاوز التلقين والحفظ ، وتركز على الفهم والتحليل والتطبيق ، وتعزز روح المبادرة والابتكار لدى الطلاب ، كما أنها مطالبة بالانفتاح على العالم والاستفادة من التجارب الناجحة ، مع الحفاظ على هويتها الثقافية والحضارية .
فإن دور الجامعات العربية في تخريج شباب قادر على التغيير والابتكار وإكمال مهمة بناء الدولة هو دور محوري لا غنى عنه ، يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية ، الحكومات والمؤسسات التعليمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني ، وإذا ما نجحنا في بناء منظومة تعليمية تستجيب لمتطلبات العصر وتتطلع إلى المستقبل ، فإننا سنكون قد وضعنا حجر الأساس لنهضة عربية شاملة ، تقودها عقول مستنيرة وأيدٍ ماهرة وقلوب مفعمة بحب الوطن والأمة.
الصحفي حيدر فليح الشمري
استثمارات الدول الناشئة
في ظل التحديات التي تحاصر اقتصاد الدول من كل الجهات، تبرز الاستثمارات الواعدة كورقة رابحة قد تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي وتضع هذه البلاد على أول طريق التعافي، فالموارد البشرية المؤهلة، والموقع الجغرافي الحيوي، والحاجة الملحة لإعادة الإعمار، كلها عوامل تخلق فرصًا حقيقية للنهوض إذا ما توفرت بيئة قانونية واقتصادية آمنة ومحفّزة.
يجب على حكومات هذه الدول إطلاق مشاريع استثمارية جديدة، وفتح مجالات متعددة أمام القطاع الخاص، لكن نجاح هذه الرؤية يتوقف على قدرتها على تخطي الأزمات البنيوية التي لا تزال تعرقل أي محاولة جادة للنمو، وعلى رأسها أزمة الطاقة، والبيروقراطية، وعدم الاستقرار في بعض المناطق، ويضاف إلى ذلك انهيار عملة هذه الدول أمام العملات الأجنبية، وما يرافقه من فقدان للثقة بالبيئة المصرفية المحلية، وغياب أي تحفيز حقيقي للمستثمرين المحليين أو الأجانب، ما يجعل بيئة الاستثمار محفوفة بالمخاطر، ويُثني كثيرًا من الشركات عن المجازفة، واحدة من أهم التحديات تكمن في الفصل بين الاستثمار والسياسة، إذ لا يمكن للرؤية المستقبلية أن تعتمد فقط على اعتبارات سياسية أو تحالفات دولية آنية المطلوب، حسب خبراء اقتصاديين، هو بيئة استثمارية مستقلة، قائمة على الجدوى الاقتصادية، والمردود التنموي، بعيدًا عن التجاذبات والمحاور، غير أن الرهان على الاستثمارات يجب ألا يبقى مرهونًا بالتحالفات السياسية، بل يتطلب تنويع الشراكات، وتشجيع رؤوس الأموال الوطنية في الخارج، وإعادة بناء الثقة بسيادة القانون والضمانات.
الاستثمار في الدول الناشئة ليس خيارًا تكميليًا، بل ضرورة مصيرية، فهو الورقة الرابحة – وربما الوحيدة – القادرة على كسر الجمود الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، واستعادة عجلة الإنتاج، ولا يكفي التعويل على الاستثمارات الواعدة دون معالجة جذرية للمشاكل التي تعيق بيئة الاستثمار في هذه الدول، فعلى الحكومات أن تبادر بشكل حاسم لمعالجة الأزمات الأساسية، بدءًا من توفير الطاقة واستقرار سعر الصرف، مرورًا بتبسيط الإجراءات الإدارية ومحاربة الفساد، وصولًا إلى توفير مناخ أمني وقانوني مشجّع
الاستثمار لا يزدهر في بيئة مضطربة، بل يحتاج إلى مؤسسات قوية، رؤية واضحة، وثقة حقيقية من المستثمرين بأن جهودهم محمية ومردودها مضمون. المطلوب من الحكومات ليس فقط فتح الأبواب أمام المستثمرين، بل ضمان أن الأرضية التي يدخلونها صالحة للنمو، بعيدة عن العراقيل، وقادرة على منحهم الأمان الاقتصادي والاستراتيجي، ففي النهاية، الاستثمار ليس مجرد رقم في خطة حكومية، بل رافعة اقتصادية تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وقرارات تنفيذية جريئة.
رنا شريف: كاتبة
صرخة
ضربات مبرحة يتلقاها الأب المسن من ابنته الصغيرة في الطريق بين الغرف، يحاول جاهدا تفادي اللكمات بيديه وحماية رأسه ذات الشعر الأبيض، يغمض عينيه السوداوين من شدة الألم، لكمات باليد والأرجل تصيبه في جميع أنحاء جسده النحيف، جلبابه الأبيض تلطخ بقطرات دم سالت من أنفه، استوى على الأرض، يزحف كجندي في الحرب إلى أن وصل الصالة، لاتزال تركله بقدميها بعنف، همت زوجته نحوه لتحميه من بين يدي ابنتهما، بدون وعي ولا إدراك لسبب ضربها له، ارتفع صوتها كفي عن أذية أبيك.
إلا أنها زادت في الضرب بالأرجل وهي تسبه بكلمات بذيئة نابية، ويداه تحمي جمجمته الصغيرة، وضم ركبتيه لبطنه كي يتفادى منطقة الصدر والبطن من الويل، لم يصرخ، لا يعترض، لم يحاول الدفاع عن نفسه بدفعها، لا يمارس دوره كأب ويمسك يدها ويضربها، لم يكن له ردة فعل سوى الاستسلام والالتصاق للأرض بلا صوت أو أنين.
الزوجة تريد أن تفهم السبب وتلمح البنت الغاضبة والثائرة متسائلة، أجن مسها أم شئ أعظم من ذلك، عاش بينهم بصمت ولم ينهرهم ولا يضربهم، يدعمهم بالمال، بالحب والحنان، تتساءل عن السبب بلا جدوى الضرب لازال ينهال على جسده الراقد على السجادة الحمراء، وقطرات الدم تنتشر وتغيب وتندمج مع السجادة، أشار لزوجته أن تضع رأسه على فخذها ليرقد في سلام، ولما سألته عن سبب الضرب وضع أصبعيه السبابة والوسطى مقابل عينيه ثم رفعهما إلى السماء، إشارة منه بأن الله مطلع، طلب ورقة وقلماً فأسرعت بإحضارها أملا في معرفة السبب، بعدما توقفت البنت عن ضربه ورجمه بالحذاء، قبض على القلم ليكتب كلمات بسيطة، الضرب وسيلان الدم قد لا يكون مادياً ولكن ما أشعر به من لكمات وأذى ما هو إلا عار استقر في قلبي فلم أتحمله، وبدل أن يكتب سبب ما يعنيه، كتب بخط مائل ومتقطع الشهادتين، تاركاً خلفه لحظات من الغموض، ليقع القلم ويرحل في صمت مودعاً حياة العبث.
احمد سويد