5 قوافل مساعدات إماراتية تصل قطاع غزة ضمن عملية الفارس الشهم 3
آراء الكتاب
مساحة نستعرض فيها الأفكار والإبداع بهدف إثراء الحياة الثقافية يعبر القارىء فيها عن رأيه ولا يمثل وجهة نظر الصحيفة نتلقى مشاركتكم عبر الايميل
abdalmaqsud@hotmail.com
كسر القلوب
هل القلب ينكسر؟ بهذا السؤال أحد مقدمي البرامج التليفزيونية بدأ الحوار مع جراح قلب مشهور، وكانت الإجابة بنعم، القلب ينكسر، القلب الذي عرفناه مضخة للدم وكتلة من العضلات ويعمل بشكل دقيق جدا يطلق عليه الكسر، فالكسر يكون على المواد الصلبة وفي جسم الإنسان العظام، وليست عضلة القلب من يطلق عليها الكسر، حتى أن النمل أطلق عليه لفظ تحطيم وعلمنا من التفسير أن جسدها من الزجاج، أما أن يكسر القلب.
كسر القلوب لفظ طبيعي عندما ندرك أن الجبار يجبر كل مكسور ويعيده لسابق عهده، والقلب يحتاج لجبر الخواطر والمعاملة الحسنة لذلك يكسر، وينكمش ويجهد لمجرد الشعور بالظلم أو الحزن والضعف، فهناك من يكسر القلوب بكلمة ويدمر خلايا العقل بموقف، فالقلوب لها شعور وحس وأعصاب وذاكرة لذلك علينا أن نحافظ على بعضنا البعض من كسر القلوب.
ونذكر هذا الجمل الذي حاول أن يغدر بصاحبه في الليل عندما اقترب من منامه وبرك عليه ليلفظ أنفاسه الأخيرة، ولما رآه واقفاً بعيداً ويراقبه لما علم بغدره، مات الجمل ولما كشفوا عليه وجدوا قلبه انفجر من هول الهزيمة وعدم قدرته على الانتقام، القلوب تنكسر وتنفجر وتدمر، فعلينا الحفاظ عليها في مكان آمن بين الأحبة ومغادرة الأماكن التي تضر ولا تنفع.
إيمان الصقار
حكمة في حكاية
تقول الحكمة: "ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك" وعلى ذكر هذه المقولة وتوضيحها بأقصر السبل، استدعي حكاية حدثت في غابات موحشة يعيش فيها صيادو الوحوش طوال مواسم الصيد، حيث تمتلئ حياتهم بالمغامرات المثيرة، ومن بين تلك القصص أحد الصيادين، فبعد جولة نهارية مرهقة بين الغابات جلس على جذع شجرة ليستريح وفيما هو جالس شدت انتباهه صرخات عصفورة صغيرة كانت ترف على عشها في جزع شديد وقد بدا واضحاً أنها تواجه موقفاً عصباً، اقترب من مصدر الصوت في أعلى الشجرة المجاورة فتبين له سر انزعاجها فقد كانت هناك حية كبيرة تزحف صاعدة فوق الشجرة وعيناها شاخصتان إلى العش حيث يرقد أفراخ العصفورة الأم، وبينما كانت الأم تصرخ جزعاً وخوفاً على عيالها رأى العصفور الأب يطير بعيداً ويجول في الهواء وكأنه يبحث عن شيء ما، وبعد لحظات عاد وهو يحمل في منقاره غصناً صغيراً مُغطى بالورق ثم اقترب من العش حيث كانت العصفورة تحتضن صغارها فوضع الغصن الصغير فوقهم وغطاهم بأوراقه العريضة ثم وقف فوق غصن قريب يراقب الموقف وينتظر وصول العدو وقال لنفسه كم هو ساذج هذا العصفور أيحسب أن الحية الماكرة سوف تُخدع بهذه الحيلة البسيطة.
ومرت لحظات من التوتر قبل أن تصل الحية إلى الموقع والتفت حول غصن قريب وعندما اقتربت من العش رفعت رأسها الكبير استعداداً لاقتحامه كان واضحاً أن كل شيء قد انتهى تماماً غير أن ما حدث بعد ذلك كان مثيراً جداً ففي اللحظة التي همت الحية باقتحام العش توقفت واستدارت ثم تحولت فجأة وأسرعت مبتعدة عن العش وكأنها أصيبت برصاص بندقية وهبطت الحية عائدة إلى حيث أتت وقد بدا اضطرابها واضحاً، ولم أفهم ما حدث لكني رأيت العصفور الأب يعود إلى العش لترتفع العائلة السعيدة فرحاً بالنجاة ويزيح الغصن من فوق الأفراخ فيسقطه إلى الأرض التقط الغصن واحتفظ به حتى التقى بأحد خبراء الحياة البيولوجية في الغابات، فقال إن هذه الأوراق تحتوي على مادة شديدة السمية قاتلة للحيات حتى أنها تخاف رؤيتها وترتعب من رائحتها وتهرب من ملامستها من تلك القوانين المنضبطة التي تحكم الحياة المثيرة، فتساند الضعيف وتتصدى للقوي وتمنح العصفور الصغير علماً ومعرفة وحكمة وشجاعة وحباً وأبوة كهذه، لقد وضع الله تخطيطاً محكماً لجميع مفردات الحياة صغيرها وكبيرها، فالذي علم العصفور أن هذه الأوراق فيها سم قاتل تخافه الحيات هو الله الذي كل شئ خلقه بقدر.
راجح محمد
الصعود للهاوية
تركت مواقع التواصل الاجتماعي الأحداث الجارية على الساحة السياسية والاجتماعية، وخصصت أخباراً وتعليقات سلبية على أحد الفنانين وهو على خشبة المسرح والخروج المفتعل عن النص بهدم البعد الرابع بين الممثل والجمهور، حين اختار أحد الشباب وسخر منه من أجل الضحك وسأل بسخرية أنت في الصف الأول أكيد معزوم، أي مكانك ليس هنا بل بجوار دورات المياه في آخر المقاعد.
زلات اللسان للمشاهير تأتي من عدم وجود ثقافة ومعرفة بمواطن الأمور، فالممثل في العادة يشخص في حدود الورق المكتوب، وهو عبارة عن دمية في يد المخرج والمنتج يفعل ما يأمر به، أما أن يعيش حياته الطبيعية فنجده أجوفاً بلا معرفة أو فكر، إلا ما رحم ربي فإذا سنحت لهم الفرصة بالتحدث كانت الطامة الكبرى، وخروج على السياق لأنه ارتجل بدون ورق وفي هذه الحالة يكون كالدمية التي فقدت السيطرة لتلف الريموت أو انخفاض الطاقة.
رواد مواقع التواصل الاجتماعي وجدوا أن هذا الفنان أساء للدولة التى ينتمي لها الشاب الذي سخر منه، خاصة وأن العمل يعرض على مسارح دولة شقيقة، والغريب أن الشاب من نفس دولة الفنان، والأغرب أن يخرج أحد صناع المحتوى من الكويت ليعنف الفنان ويخبره بأن الشاب من دولة هي من اخترعت الصف الأول وأن وجود أمثال هذا الفنان من جعلوها تفقد هذا المركز، المدهش أن الفنان بدلا من الاعتذار للجمهور خرج بصورة على صفحاته يرتدي سماعات أذن وطاقية سويتر تخفي عينيه إشارة منه بأنه لم ير، ولم يسمع المنتقدين من الجمهور الذي صنعه.
حمادة الجنايني
القراءة للجميع
اهتمام الدول العربية بمسابقات القراءة خاصة لفئة الأطفال والناشئة يدعو للفخر والأمل، بعد أن شاهدنا زحفاً كبيراً منذ فترة طويلة لمسابقات تدعو للانحلال والعزوف عن العلم، وآخرها على ما أذكر فيلم عرض في السينما اشتهر بأغنية " الغزالة رايقة " وقتها غزت الأغنية الوطن العربي من المشرق للمغرب، وللأسف كلن الفيلم عبارة عن كبسولة يأس وإحباط للذين اتخذوا العلم منهجاً والدراسة أسلوب حياة.
قصة الفيلم بنيت على مسابقة للمتفوقين في جميع المجالات العلمية، وبحضور زخم إعلامي وقيادات تربوية على أعلى مستوى، وبالصدفة ينضم طالب فاشل للمسابقة بالخطأ، ويفشل في تحقيق أي نجاح، وإذا بأهله يطالبون لجنة التحكيم بمنحه فرصة للغناء، وبعد مفاوضات تقبل اللجنة بمنحه الفرصة، ويجول ويصول بصوته العذب ليخطف الأنظار وتهجم عليه وسائل الإعلام لإجراء حوارات صحفية معه، وترك المسابقة الأساسية في مهب الريح، وكأن التوجه هو للمحتوى الفارغ وغير الهادف.
لكن اليوم وعلى مستوى كبير من التنظيم، تنظم مصر مسابقة للقراءة وكذلك دبي ومن ثم (إثراء) التي دخلت مجالات فكرية واجتماعية التي من شأنها رفعة قيمة العلم والقراءة والدراسات، بل تمكن مركز (إثراء) في وقت قياسي من حجز مكان على طاولة التفوق الفكري واستقطاب الكبار من كل مجال هادف لنشر الوعي وتبادل المحتوى الثقافي الذي يليق بدولة بحجم المملكة العربية السعودية، فالمسابقات الهادفة تعبد الطريق للأذهان نحو الأمان والاطمئنان على وجود من يهتم بالفكر والعلوم.
محمد أسامة – كاتب
دور أولياء الأمور
نتابع توتر أولياء الأمور أثناء اختبارات الأبناء، وكأن العالم سيتوقف عند إعلان النتيجة بالموجب أو السالب، والمدهش أن الجميع يسعى لتلقين الطلاب الإجابات في اللجان تحت مسمى الغش الجماعي، ولا يهم ولي الأمر إلا تفوق ابنه بأي وسيلة وتحصيله معدلاً مرتفعاً، ليس مهم بأي طريقة، المهم النجاح والانتقال إلى المرحلة التالية، وكأنه في لعبة وليست مستقبلا، يربي ابنه على الاعتماد على الغير، يمنحه مبررا قويا ومأساويا للوصول على أكتاف الغير والوصول بطرق غير شريفة.
الخطر من هذا السلوك المشين يترتب عليه الكثير من العواقب الوخيمة، فنجاح من لم يستحق بدرجات ومعدل عال، يمنع تكافؤ الفرص بين مستويات الطلاب، فالطالب المتفوق غالبا ما يرفض الغش في اللجنة، ويحاول منعه تماما، إلا أن النفوذ والمال والقوة تسيطر في النهاية وتمنح مالم يستحق النجاح، وبالفعل يضيع جهد المتفوق في عبث اللجان، ويخرج الطالب المتفوق بنتيجة أقل ممن غش، فيلجأ لكره الحياة ويصاب باليأس وغل ويمارس حياة مغايرة عن طبيعته تماما، فيضيع الانتماء والولاء والسلوك السوي.
وهنا يأتي دور ولي الأمر باحتواء ابنه، وإعادة ترتيب فكره وعودة الثقة في نفسه، وتشجيعه أن التفوق والنجاح له ضريبة، وضريبتهما هؤلاء المتسلقون فالخير موجود والشر أيضا، على ولي الأمر أن يحيط ابنه بالأمل والود والدعم النفسي وتشجيعه على الجهد، وتوضيح أن الفاشل غالبا يفشل في جميع أنحاء الحياة ولم يحقق أي نجاح مهما وصل بالغش والبهتان، فالأصل هي الأمانة والاجتهاد والثقة في النفس.
الشيماء محمد – خبير صحافة وإعلام
التنوع الثقافي
يعتبر التنوع الثقافي من أهم وأبرز المفاهيم الأكثر حداثة فى المجتمعات المعاصرة ، والذي يهدف إلى تناغم وتفاعل القوى الثقافية فى المجتمع، مع إتاحة الفرصة للاستفادة من هذا التناغم لخلق مجتمع متنوع الثقافات ومتعدد الهوايات والتخصصات.
إن مفهوم التنوع الثقافي يحمل بين طياته أفكارا وتجارب إنسانية ، قد تشترك فيها بعض الأفراد أو المجتمعات التي لها سمات وخصائص فريدة، تكشف من خلالها عن مدى ثراءها الفكرى والثقافي على حد سواء، كما يعد التنوع الثقافي مصدر ثراءً فكرياً وانتعاشاً حضارياً للدولة والمجتمع ؛ حيث يخلق نوعاً من التجانس فى الأفكار ينتج عنه تميز بشري ، ورقي حضاري ، وتقدم اقتصادي ، وازدهار اجتماعي، وقد ينعكس هذا على تفعيل دور الفرد فى المجتمع ليكون دوراً حيوياً على الصعيدين الثقافي والاجتماعي.
ومن أبرز فوائد التنوع الثقافي هو خلق نوع من الإبداع والتحرر من الأفكار التقليدية ليكون هناك نوع من الابتكار الذى يهدف بدوره إلى تحقيق حوار مثمر ، وحياة اقتصادية ناهضة تضفى على المجتمع نوعاً من التقدم ، ومما لاشك فيه أن التنوع الثقافي يخلق تقارباً فكرياً بين شتى المجتمعات المعاصرة ، مما يجعل العالم قرية صغيرة ، وخصوصاً عندما يتم تفعيل هذا التنوع ليكون شيئاً ملموساً على أرض الواقع حتى يسهم بشكل إيجابي وملحوظ فى الحضارة المجتمعية الحديثة من خلال المشاركة الإنسانية الفعالة، والتي يترتب عليها حث المجتمع على التعبير عن هواياته وإبداعاته.
محمد أحمد شوقي
قصة دون جوان
"دون جوان" لقبٌ يطلقه البعض على الرجل متعدد الغراميات، وهو منتشر في أفلام السينما الكلاسيكية ولعله يوشك على الاختفاء في أيامنا هذه، حيث يعرف جيل الشباب الآن كلمات أخرى للتعبير عن حالة الحب والعلاقة مع الجنس الآخر.
وفي اعتقادنا أن كلمة "دون جوان" أفضل من حيث التعبير، نظراً لابتعادها عن السوقية والابتذال، وأيضاً لكونها تعبر عن ثقافة الأجيال القديمة، فهذه الكلمة مأخوذة من أسطورة أوروبية قديمة حُوِّلَت إلى مسرحية، فقد جمع المؤلف الإسباني "تيرسو دي مولينا" الأسطورة قبيل بداية القرن السابع عشر، ووضعها في قالب مسرحية تراجيدية سماها "ساحر نساء إشبيلية"
ثم انتقلت قصة الدون جوان من إسبانيا إلى إيطاليا، فقد صاغها "سيجونيني" في قالب مسرحية يمتزج فيها الهزل إزهاق الروح، بينما احتفظ لها الكاتب "جيلبرتو" بعنصر المأساة فكان في معالجته الدرامية أقرب إلى النص الأصلي الإسباني المأخوذ عن "تيرسو دي مولينا"
وأخذت طريقها إلى المسرح الفرنسي، فظهرت مسرحيتان لا تختلفان عن بعضهما في شيء تقريباً، الأولى هي التي قدمها "دوريمون" في مدينة "ليون" عام ١٦٥٩ باسم "وليمة التمثال" أو "الابن الضال" والثانية قدمها "ڤيلييه" بنفس الاسم لكن في باريس عام ١٦٦٠ أي بعد الأولى بسنة، ولاقت نجاحاً كبيراً ومدهشاً واستمرت لفترة طويلة، مما دفع الفرق المسرحية في باريس إلى احتضان المسرحية وتقديمها للجمهور في قوالب فنية جديدة ومختلفة
كما أراد "موليير" الشاعر والكاتب المسرحي أن يقدم المسرحية برؤيته الخاصة، فأخضع موضوع المسرحية لعبقريته وأكسبه إنسانيةً وجمالاً وقدمه لنا مسرحيةً نادرة لازلنا حتى الآن نتحدث عنها، حيث قدمها لأول مرة في فبراير من عام ١٦٦٥ على مسرح "پاليه رويال" بباريس وكان نجاحها ملحوظاً على أنها رغم النجاح والإقبال الجماهيري لم تُقدَّم سوى خمس عشرة مرة لأن أعداء موليير الذين كان يسخر منهم وقفوا في طريق المسرحية واستطاعوا مستعينين بكل ما لهم من نفوذ أن يبعدوها عن النور
وبعد وفاة موليير طلبت أرملته من "توماس كورني" أن يعدل المسرحية بعض الشيء حتى يمكن تقديمها في ثوبٍ جديد، فجعلها مسرحية شعرية وقُدِّمَت بالفعل سنة ١٦٧٧ ومضى المسرح الفرنسي يعيد تقديمها بين الحين والحين، وظل النص الذي كتبه "موليير" متوارياً لمدة قرنين من الزمان
وفي عام ١٨٤٧ احتضنت "كوميديه فرانسيز" النص الأصلي الذي كتبه موليير وأعادت تقديمه بدلاً من نص "توماس كورني" الشعري، وعادت مسرحية الدون جوان لتتنفس في المسرح الفرنسي من جديد، وأعادت "كوميديه فرانسيز" تقديمها كثيراً وعلى مدى سنوات، وفي القرن العشرين أعاد "لويس چوڤيه" تقديمها عام ١٩٤٨ كما أعجب بها المخرج المعاصر "چان ڤيلار" فشرع في تقديمها منذ عام ١٩٥٣ على مسرح الدولة الفرنسية الشعبي، وقد أعيد تقديمها في باريس وحدها ٨٧ مرة، حتى أنها قُدِّمَت هناك في أكتوبر عام ٢٠٢٢ وامتد عرضها إلى فبراير ٢٠٢٣، لابد من الإشارة إلى انتفاعي الخاص من مقدمة الأستاذ "إدوار ميخائيل" للنص العربي لمسرحية "دون جوان"
حاتم السروي
مابين جيمين
اللسان نعمة من نعم الله أعطاها لبني البشر ليكون وسيلة تفاهم و تواصل فيما بينهم وعلى اختلاف ألسنتهم، ولكي يؤكد لنا الله أهمية وظيفتي السمع والكلام، كان القرآن بلسان عربي مبين و طلب الإنصات له والاستماع إليه، وبالتالي للكلمة مدى و للأذن حدود بمعنى نستمع أكثر مما نتكلم و للكلام أو الحديث أدبيات ليس الكل يتقنها ومهارات تجعل هنالك من يجيد فنون الخطاب و الحوار وهناك من يقع بشرك الخوار.
الحديث له ثلاثة أساسيات: تكوين الكلمة بالقلب، و ميزانها بالعقل، ثم اختيار التوقيت المناسب لها، حتى تؤدي مهمتها و تفي بغرضها في الموضع الذي قيلت فيه، ومن أهم هذه الأساسيات اختيار الوقت المناسب لأنه في بعض أحيان يكون الحديث معبراً لكنه جاء بتوقيت خاطيء ففقد أهميته وأحياناً أيضاً يأتي متأخراً فيكون لا طائل منه.
الحياة مبنية في علاقاتها المتنوعة على الكلمة ....فهي قد تبني جسور وصل لاتنقطع ....لأنها كلمة طيبة كالصدقة ترطب القلوب أو تبني أسوار جفاء لا تهدم، فهي كالسيف بحدين إما أن ترفعك وإما أن تقتلك ككلمة طيبة بين زوجين تديم الوداد أو كلمة تشتت الأسرة وتنهي طريقها للشتات، الحديث يجب أن يكون واضحاً محدداً وغنياً بالتشبيهات والقصص و الحكايات التي تضفي عليه حلاوة وأن يكون بوقته المناسب، أن لا يكون ثقيلاً في معانيه ....حتى لا يمل، وأن يكون له هدف سواء أكان جدياً او هزلياً، والأهم لكل سن لسان يحاكي به فحديث الصغير لا يشبه حديثا يوجه للكبير، أن يكون الكلام ليناً هيناً يميل للرفق أكثر من الغلظة.
وأيضا النظر لمن نحدثه حتى لا ينتابه شعور بعدم اهتمامنا له كما يحدث أيضا ذلك حين نستمع علينا أن نصغي، وألا نقاطع بطريقة عشوائية، وألا نرفع أصواتنا لينتبه الآخرون، ولنعلم علو الصوت من قلة الثقة بحديثك .....فالحديث القيم نبرته هادئه ...ومعانيه واضحة و توقيته مناسب.
والأذن الجيدة هي تلك التي تسمع أكثر وأكثر ثم تتكلم أقل وأقل ....ويكون لسماعها أثر و لحديثها أثر و فائدة تعم الجميع.
ناجية الصغير عبدالله – مدربة دولية
تحرير الفكر العربي
في عوالمنا العربية ، يقف الفكر في مفترق طرق ، يحمل أثقال الماضي على أكتافه ، ويرنو نحو أفق لا يعرف حدودًا ، لكنه دائمًا ما يصطدم بسدود القيود ، بعضها صنعته أيدٍ غريبة ، وبعضها نسجه الواقع الثقافي والسياسي ، كيف السبيل إذن لتحرر هذا الفكر ، لينطلق نحو ما يستحقه من سماء يحلق فيها كيفما يشاء .
لطالما كانت القيود الشرقية ، تلك التي تسللت من بين أروقة السلطة والتقاليد المتحجرة ، سيفًا معلقًا على أعناق المفكرين والمبدعين ، إنها قيود تُقيّد التجديد ، تخشى النقد ، وتضع الثقافة في قالب ضيق لا يقبل التغيير ، ومن ناحية أخرى هناك القيود الغربية ، التي تتجلى في استعمار فكري حديث ، يرسم مسارات مضمونة لا تُتيح للفكر العربي أن ينبت في تربته الأصيلة، بل يجعله تابعًا لأطر غربية لا تتفق مع هويته.
( العقلية المُستعبدة لا تصنع مستقبلًا حرًا ) قالها يوماً مالك بن نبي ، المفكر الجزائري الذي أدرك أن تحرر الفكر يبدأ أولاً من داخل الإنسان العربي نفسه ، إن القيود الشرقية ، مهما كانت قسوتها لا تملك القدرة على كسر الإنسان الحر الذي يتجاوز حدود الخوف وينتصر على الجهل.
أما القيود الغربية ، فقد وصفها المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد بأنها ( محاولة لإعادة إنتاج التبعية الفكرية والثقافية ، حيث يُقدّم لنا الغرب سرديات لا تترك مجالاً لوجودنا في خارطة الفكر العالمي) إن هذا الواقع يتطلب مقاومة تبدأ بإعادة كتابة السرديات وتقديم فكرنا كجزء أساسي من المشهد العالمي .
في خضم هذا الصراع ، لا يمكن للفكر العربي أن يتحرر دون أدوات القراءة النقدية ، إحدى هذه الأدوات تسلّط الضوء على مكامن القصور وتتيح الفرصة للتمرد على الجاهز ، كما أن الإبداع ، سواء كان شعراً ، أو نثراً ، أو فناً ، يمثل صوتاً لا يمكن كتمه ، يقول جبران خليل جبران ( الحقيقة لا تحتاج إلى من يدافع عنها ، فدعها تقف عارية في النور ) .
لكسر القيود الشرقية ، لا بد من تعزيز الحوار الداخلي بين الماضي وبين الحاضر ، دون خوف من مواجهة التقاليد التي لا تخدم مستقبلنا ، أما بالنسبة للقيود الغربية ، فيجب علينا بناء جسور مع العالم ، لا لنكون أتباعًا ، بل لنقدم روايتنا الخاصة .
إن المؤسسات التعليمية والثقافية في العالم العربي تحمل على عاتقها جزءًا من هذه المسؤولية ، التعليم الذي يعزز التفكير الحر ، والثقافة التي تحتفي بالاختلاف بدلاً من أن تخشاه ، يمكن أن يكونا أدوات كبرى في معركة التحرر .
النهضة الفكرية العربية لن تتحقق بالانفصال التام عن العالم ، بل بالاستقلال عنه فكريًا ، يجب أن نتعلم من تجارب الآخرين ، لكن دون أن نصبح أسرى لها ، وكما قال الشاعر محمود درويش ( على هذه الأرض ما يستحق الحياة ) وما يستحق الحياة حقًا هو فكر حر لا تقيده شرقية متزمتة ولا غربية متسلطة .
في نهاية المطاف ، فإن معركة تحرر الفكر العربي ليست فقط معركة ضد الآخرين ، لكنها معركة الإنسان مع ذاته ، إنها رحلة شاقة تحتاج إلى شجاعة المثقف ، وجرأة الكاتب ، ورؤية المفكر ، فإذا ما تحرر الفكر تحررت معه الشعوب ، وصارت قادرة على رسم ملامح مستقبلها بأيدٍ لا ترتجف ، وعقول لا تعرف الخضوع .
حيدر فليح الشمري – كاتب صحفي