نافذة مشرعة
الترامبية والمكارثية...!
مع انتهاء رئاسة ترامب، أجد متعة في مقارنتها بالرئاسات السابقة. وفي النهاية، سيجري المؤرخون مراجعة كاملة لقرارات وتداعيات هذه الإدارة. في غضون ذلك، اسمحوا لي أن أشير إلى بعض أوجه التشابه بين الفترة الحالية والفصل المثير للجدل في تاريخ القرن العشرين.
الرئاسة الحالية فريدة من نوعها من حيث تراكم الخلافات والفضائح، لكن لكل جدل وخصومة سابقة. على سبيل المثال، إنشاء عالم موازٍ نكذب فيه وننقل معلومات مضللة. في بعض الأحيان، كل ما يتطلبه الأمر هو سياق عام من القلق أو الشك حتى يقودنا واحد أو أكثر من الديماغوجيين الماهرين إلى أرض خطيرة.
في نهاية الأسبوع الماضي فقط، استمعت إلى الرئيس الامريكي في تجمّعه في جورجيا. خلال خطابه، قاد أنصاره إلى ما أسماه ماريو دومون بالعالم الموازي. ومع غياب اي دليل يدعم كلماته، استمر في الادعاء بأنه الفائز في انتخابات 2020، وأن النظام الانتخابي غير أمين.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتلاعب فيها ديماغوجي ماهر بجزء كبير من الشعب الأمريكي وبهذه الطريقة.
فكلما استمعت أكثر إلى دونالد ترامب، يتبادر الى ذهني المزيد من ذكريات بعض المقالات التي قارنته بجوزيف مكارثي.
قد تتذكرون أن هذا السناتور عن ولاية ويسكونسن، هو الذي هزّ العديد من الأمريكيين في أعقاب ما سمّي بمطاردة الساحرات. لم يتردد في انتقاد شخصيات من الإعلام والسينما، أو تشويه سمعة النخب السياسية أو حكومته، فقد أعاد إثارة الذعر الأحمر، الخوف من الشيوعيين.
استغل مكارثي الماكر، والماهر في التلاعب بوسائل الإعلام، والطموح بشكل خاص، استغلّ الخوف الحقيقي من تقدم الكتلة الشيوعية ليصبح عضوًا رئيسيًا في مجلس الشيوخ. واعتقال جوليوس روزنبرغ بتهمة التجسس من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (في ملف الأسلحة النووية ومشروع مانهاتن)، سمح له بطرح مزاعمه عن التسلل الشيوعي في الولايات المتحدة، وهي ظاهرة لم تتفاعل معها السلطات، حسب قوله.
وبغض النظر عن مدى ضعف أو نقص الأدلة لدعم اتهاماته، فقد زرع مكارثي الخوف والارتباك، ولم يتردد في تدمير مسيرة للكثيرين أو الخصوم. وقد ساعده في ذلك محامٍ شاب اسمه روي كوهن، وهذا الاخير كان المستشار القانوني لدونالد ترامب بين 1974 و1986.
وإذا يتذكر المؤرخون في عام 2020 من مكارثي أنه رجل مخادع مات خزيًا بعد أن فقد مصداقيته، فلا ينبغي أن ننسى الى اي مدى كان شعبيا، بل في ذروة الشعبية. فانتقاده للنخب والديموقراطيين واليسار، أكسبه حشدًا حقيقيًا من المؤيدين.
وأشارت أستاذة التاريخ بيفرلي غاج من جامعة ييل، مؤخرًا، إلى أن حوالي ثلث السكان الأمريكيين في ذلك الوقت شجعوا حملته الصليبية. وحتى بعد أن قام مجلس الشيوخ في الأخير بازدراء السناتور الرهيب، استمر أنصاره في تصديق رسالته، حيث ظلوا مقتنعين بأن مكارثي كان ضحية سياسيين مهتمين بمصالحهم... نوع من الدولة العميقة قبل أوانها.
تمامًا كما كان الحال مع المكارثية، ستعيش الترامبية بعد باعثها. وما يثير القلق أكثر من مطاردة الساحرات في الخمسينات، هو أن مكارثي كان مجرد سناتور بسيط، بينما دونالد ترامب هو الرئيس. إن تأثيره وظهوره أكبر بكثير مما كان يحلم به سيناتور ولاية ويسكونسن.
لن نعرف أبدًا ما الذي كان يمكن أن يفعله مكارثي لو استفاد من وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام الدعائية، لكننا سنكتشف قريبًا ما قد يجنيه منها الرئيس المنتهية ولايته. بالإضافة إلى ذلك، عرف بعض السياسيين الشجعان كيف يرسمون مخرجًا لمكارثي. وما زلنا ننتظر عددا كافيا من الجمهوريين الجريئين الذين يجرؤون على إدانة حقارة الرئاسة الحالية وفسادها.