سياسة خارجية أوروبية، هل هي ممكنة...؟

سياسة خارجية أوروبية، هل هي ممكنة...؟

  شدّ خطاب حالة الاتحاد الذي ألقته في 16 سبتمبر أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، الانتباه بنوعية تصميمها ومقترحاتها. التكنولوجيا الرقمية، والبيئة، والصحة، يجب أن تكون موضوع سياسات مشتركة تهدف إلى تعزيز النجاعة الجماعية. في المقابل، كان الجزء الدولي من ملاحظاتها متواضعا للغاية وملتبسا وخجولا. لقد أظهر مرة أخرى مدى انقسام الأوروبيين عندما يتعلق الأمر باتخاذ موقف أو إجراء على المسرح الدولي.

أوروبا على الساحة الدولية
   في الوقت الحالي، تريد دول البلطيق وأوروبا الشمالية معاقبة الرئيس البيلاروسي والقيصر الروسي، بينما تريد دول البحر المتوسط وقف القومية التوسعية لتركيا. ويستخدم المعسكران حق النقض إذا لم تتحقق رغبة أحدهما، وسيتعين على رؤساء الدول والحكومات الحسم بين هذه الرغبات المتضاربة. ويستنتج البعض أن القرارات في هذا المجال يجب أن تُتخذ بالأغلبية، يمكن تبرير ذلك على الورق، لكن من غير المرجح أن يتكرس على أرض الواقع. فما هي الدولة التي ستقبل، مهما كان حجمها، بأن صوتها لم يعد مهمًا؟
   للتغلب على هذه العقبات، من الضروري أن يظل الاخلاص لنهج روبرت شومان عام 1950. ان الاتحاد التقدمي لأوروبا، الذي لم يكن من الممكن تصوره في تلك الحقبة، لم يصبح ممكنًا الا من خلال البحث عن مصالح توافقية وائتلافية، إذا تعذر ان تكون مشتركة على الفور. بمعنى آخر، من غير المجدي سحب صلاحيات الدول الوطنية، بل المطلوب تطعيمها بشيء اضافي عبر التجميع أو التفويض. ولن يتسنى، ولفترة طويلة اخرى، اتخاذ قرار أو معاهدة أو إجراء يؤدي إلى حرمان تلك الدول من جزء من سماتها ومشمولاتها.

في منافسة مع الدول
   في المقابل، يمكننا أن نتخيل بعض السبل “لتحرير” العمل الدولي للاتحاد. ألا يمكن جعله مستقلا وفصله عن اختصاصات المفوضية الأوروبية، التي تتوفر لها أموال للتعاون والعمل الإنساني، وتوجه السياسة التجارية، وبشكل ملموس للغاية، تسهر على ابقاء الجهاز الدبلوماسي المشترك وأعضائه تحت إشرافها؟ إنها تنخرط في منافسة مع الدول، وفي أغلب الأحيان، ضمن إطار مستقل دون أي هدف محدد لسياسة خارجية.
   يوضح جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية الاوروبية، أن صوتًا أوروبيًا قويًا، ولا يكبّل نفسه باللغة الخشبية المعتادة لبروكسل، له مكانه في المحافل الدولية. رجل المبادئ هذا، السياسي المتمرس، الذي شغل منصب وزير خارجية بلاده إسبانيا وعاش تطوراتها ومعاناتها واعتزازها، وفي خدمة المصلحة الجماعية، سيعرف كيف يستخدم حريته، إذا كان أكثر استقلالية عن المفوضية ولديه موارده المادية الخاصة، وسيكون أكثر فاعلية ونجاعة بشكل لافت.
   ان وظيفته كنائب لرئيس المفوضية ليست كافية، والمطلوب، تحريره من برلمان أوروبي، لا يزال صغيرًا جدًا في هذا المجال، ومن ممارسة قانونية وفي غاية السذاجة للمساعدة الإنمائية، ومن منطق المعاهدات التي تنتج مياها فاترة أكثر من مواقف حقيقية. يجب أن تكون السياسة الخارجية المشتركة في خدمة الذين كثيرًا ما يفضلون الصمت أو الامتناع عن التصويت خوفًا من إثارة غضب دول اخرى أكثر قوة، ويجب أن تطمئن الذين يسعون إلى تعزيز المصالح الأوروبية والدفاع عنها من خلال الجمع بين نقاط قوة وخصوصيات الدول الأعضاء.

التحرك نيابة عن الآخرين
   من جهة اخرى، ألا ينبغي استخدام أحكام المعاهدات الحالية التي تسمح لدولة عضو واحدة أو أكثر بالتحرك نيابة عن الدول الأخرى؟ لما يحدث هذا في المفاوضات النووية مع إيران حيث تمثل ألمانيا وفرنسا أوروبا؟ أليس هذا هو الحال في منطقة الساحل، حيث توافق فرنسا على المخاطرة بأرواح جنودها لتولي أخطر جزء في مكافحة الإرهاب؟ وفي مناطق اخرى، حيث يساهم عدد قليل جدًا من الأساطيل الأوروبية النادرة، ربما بشكل أكثر فاعلية من غيرها، في الأمن البحري؟ أنجيلا ميركل، التي فعلت ذلك مؤخرا نيابة عن الـ 27، أليست الزعيمة الأوروبية الأكثر مصداقية في محاولة إقناع الصين بأن تكون شريكًا تجاريًا مخلصًا في النهاية؟
   يمكن للاتحاد الأوروبي أن يفخر بوجود مفوضية أوروبية، وهي سلطة فوق وطنية ذات صلاحيات محدودة، لكنها تُمارس بشكل أفضل بكثير من كل دولة من الدول الأعضاء. هكذا أصبح السوق الداخلي نجاحًا عالميًا يجذب الحسد. ويمكن أن يُعهد إليها بصلاحيات أخرى لتعزيز العمل العام، على سبيل المثال في الأمور الاجتماعية أو الصحية. لكن لا يمكن لهذا التفويض في الوقت الحالي أن يمتد إلى المجال الرمزي للشؤون الدولية الذي أصبح معقدًا ودقيقًا للغاية، والذي يتطلب أحيانًا مواقف قوة أو استخدام وسائل قسرية.
   ان طرقا أخرى ممكنة... ونأمل أن يتمكن رؤساء الدول والحكومات ان يسلكوها، على سبيل المثال، أو في يوم من الأيام، عن طريق تعديل المعاهدات. وسيكون ذلك بالتأكيد سرعة التطورات الأوروبية المرغوبة والمتوقعة.



 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot