شخصيات في حياتنا
من الغريب والعجيب أن أعرف شخصاً يعتقد أنه على صواب لمدة خمسة عقود، وذلك لإيمانه التام أن السعادة الحقيقية تبدأ عند إسعاد الآخرين، ويعمل على تحقيق هذه النظرية بكل ما يمتلك من قوة ونفوذ وعلاقات، سخر كل إمكانياته لهذا الهدف، والحقيقة أن هذا الشخص ينال استحسان البعض ويثني عليه البعض الآخر، لكن في نهاية طابور المحتملين تقف مجموعة تسخر من هذه التصرفات التي تبدو للعامة سمة من سمات العطاء والتصالح مع الذات.
الحقيقة أن هذا الشخص الواهم الذي يغوص في حل هموم الآخرين، بات كالإسفنجة يمتص الطاقات السلبية ليحولها إلى إيجابية ويعيد نشرها وبثها في نفوس المحيطين به، عندما يصبح أداة ميكانيكية للطبطبة لا تعرف معنى كلمة "لا" يدرك البعض أن هذا الشخص فوق العادة، والحقيقة أن هذا الشخص مريض نفسي، كان يعيش بين الناس بمرضه العضال، عقدة نفسية غريبة تصيب بعض البشر، ركيزتها تنبع من حب الخير والإثار وجلد الذات ونسيان النفس وتقديم الغير على نفسه بهدف الوصول لمرتبة الرقي والحصول على صفات حميدة تؤهله لدخول الجنة
عندما يكتشف الشخص أن كل ما كان يصنعه ليس إلا مرض نفسي يحتاج لمراجعة طبيب، يصاب بنوع من الهوس والارتباك ومحاولة بناء فكرة العودة والتشبث بالمرض النفسي والبقاء على هذه السمات، لكن ما الفائدة وهو يفعل ما يقدمه بناء على قدرة تفوق قدراته لصناعة هذه الأفعال، أي بكل بساطة ما يفعله ليس رغبة داخليه منه ولكنها بدافع مرضي، وبالفعل تجد هذا الشخص يسعد من حوله ولا يهتم بنفسه، يشتري لمن يخصه كل شئ ولا يحاول أن يشتري لنفسه أقل القليل، معتقداً أن كل ما يمنح له ليس لذاته ولكن لكل من هم مسؤولون منه.
يضيع الشخص في ذاته، يبحث عن الوجدان بين ثنايا الفكر، يكتشف أن الإمام لا يرى خشوع المصلين، تنهار قواه ويحسب أنه على صواب ليرى ملامح تغضبه وأصوات ضحكات تسخر منه، في تلك اللحظة يدرك أن المرض النفسي تملك منه ولأن الشخص عاقل راشد يلجأ إلى طبيب ليس من خريجي كليات الطب ولا المشعوذين ولا حتى المبروكين، بل سيكتفي الشخص المريض بالانسحاب الهادئ واعتزال الكون والاعتماد في الردود على الإيماءات والابتسامة الباهتة التي تشبه الضحكات المكتوبة، حتى أن هذا الشخص لا يهتم لتبرير أفعاله أو الدفاع عن نفسه ولا تصحيح صورته، فقط سيبحث عن الانطواء الداخلي والانكسار التام، ويتجه نحو الناس لأول مرة في حياته لعله يكتشف ما ضاع منه منذ عقود.