آراء الكتاب
مساحة نستعرض فيها الأفكار والإبداع بهدف إثراء الحياة الثقافية يعبر القارىء فيها عن رأيه ولا يمثل وجهة نظر الصحيفة نتلقى مشاركتكم عبر الايميل
abdalmaqsud@hotmail.com
الاستثمار في الأطفال
يُقال إنّ المستقبل يُصنع اليوم، ولا سبيل لصناعة مستقبل مزدهر دون بناء أجيال قوية، واعية، ومتعلمة. من هذا المنطلق، فإنّ الاستثمار في الأطفال لا يُعدّ مجرد خيار، بل هو ضرورة وطنية وإنسانية، وهو أقوى صناعة يمكن أن تقوم بها أي دولة تطمح إلى الريادة والاستقرار على المدى البعيد.
الطفل هو نواة المجتمع، وهو المشروع الأكثر تأثيرًا على مصير الأمم، حين نمنح الطفل الرعاية الصحية المناسبة، ونعلمه منذ الصغر القيم الأخلاقية، والعلوم، والمهارات الحياتية، فإننا نؤسس لأفرادٍ قادرين على تحمّل المسؤولية، والمشاركة الفاعلة في نهضة المجتمع. فالأطفال الذين يحظون ببيئة تعليمية مُحفزة، وتربية أسرية داعمة، يترعرعون ليصبحوا روادًا في مجالاتهم، لا عبئًا على مجتمعاتهم.
الاستثمار في الطفولة لا يقتصر على التعليم فحسب، بل يشمل الصحة، والحماية النفسية، والتغذية، والتربية على القيم الإنسانية.
فالطفل الذي يُربّى على الاحترام، والحوار، والإبداع، يصبح عنصرًا فعّالًا في بناء مجتمع متسامح ومتقدّم، ومن هنا فإن كل قطعة نقدية تنفق على تعليم طفل، أو علاجه، أو حمايته، هي في حقيقته استثمار طويل الأمد في اقتصاد الأمة واستقرارها الاجتماعي. وقد أدركت العديد من الدول المتقدّمة أهمية هذا النوع من الاستثمار، فوضعت برامج وطنية لدعم الطفولة المبكرة، ووفّرت الإمكانيات لتنشئة أجيال متميزة علميًا ونفسيًا، فالتنمية البشرية تبدأ من المهد، وما لم تُعطَ الطفولة حقها، تبقى جهود التنمية ناقصة مهما توفرت الموارد، إنّ الحديث الشريف أشار إلى أهمية الأبناء كأمانة ومسؤولية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ”، وهذا الحديث دليل على أن بناء الطفل الصالح مسؤولية عظيمة تبدأ من البيت، ولا تنتهي عند أبواب المدرسة. التربية والتعليم والتربية سبقت التعليم لما لها من أهمية كما يقول الشاعر أحمد شوقي:
“إنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ، فإن همُ ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا.”
وهل من وسيلة أصدق لبقاء الأخلاق من غرسها في قلوب الأطفال منذ الصغر؟ أي القول إنّ الطفل هو الثروة الحقيقية التي لا تنضب، وإنّ بناء الإنسان أهم من بناء الحجر، فدعونا نُعيد ترتيب أولوياتنا، ونجعل من الاستثمار في الأطفال مشروعًا وطنيًا شاملاً، لأنهم المستقبل الذي نحلم به، والحلم يبدأ بخطوة .
رنا شريف : كاتبة
شاشات التلفاز
أصبحت شاشات التلفاز نوافذ مشرعة على ثقافات الآخرين، وباتت تلعب دوراً خطيراً في تشكيل الوعي الجمعي للمشاهد العربي ، ما نشهده اليوم هو عملية ممنهجة لإعادة صياغة الهوية الثقافية العربية وفقاً لقوالب رأسمالية غربية، لا تمت بصلة لقيمنا الأصيلة وإرثنا الحضاري العريق.
من يتأمل مسلسلات أواخر القرن الماضي ويقارنها بإنتاجات اليوم، يلمس الفرق الشاسع في المضمون والرسالة والقيم، كانت مسلسلات مثل "ليالي الحلمية" و"هو وهي" و"رأفت الهجان" تحمل هماً وطنياً واجتماعياً ، وتعكس واقع المجتمعات العربية بصدق وأمانة ، كانت الأسرة العربية بترابطها وتكافلها محوراً للأحداث، وكانت القضايا المطروحة تلامس هموم المواطن العادي وتطلعاته . تحولت الدراما التلفزيونية اليوم والبرامج المنوعة إلى مختبرات اجتماعية تُصدِّر مفاهيم الاستهلاك المفرط والفردية المطلقة ، وتعمل على ترسيخ نمط الحياة الغربي بوصفه النموذج الأمثل للتقدم والرقي ، يُقدَّم المنتج الرأسمالي بغلاف براق، يخلب الألباب ويأسر العقول ، ليجعل من المشاهد العربي مستهلكاً مسلوب الإرادة ، يلهث وراء كل جديد ، دون أدنى تفكير في مدى توافقه مع قيمه الأصيلة .
ما يثير القلق حقاً هو أن هذا الاختراق الثقافي لا يستهدف فقط إشباع النزعة الاستهلاكية، بل يتعدى ذلك إلى محاولة تفكيك منظومة القيم الاجتماعية التي تميز مجتمعاتنا العربية، فنجد أن مفاهيم مثل الترابط الأسري، واحترام كبار السن، والتكافل الاجتماعي، والإيثار، باتت تُقدَم في الإنتاج التلفزيوني على أنها عوائق تحول دون الانطلاق والتحرر، وفي المقابل، تُبرز قيم الفردية والأنانية والمنفعة الشخصية على أنها سمات التقدم والعصرنة. كم يختلف هذا عن مسلسل "أبو العروسة" الذي كان يعكس واقع الطبقة الوسطى المصرية بأصالتها وتماسكها، أو مسلسل "عائلة الحاج متولي" الذي جسد قيم التضامن العائلي والالتزام بالتقاليد ، بالمقابل ، نجد مسلسلات مثل "للعشق جنون" و"ورد وشوك" التي تحتفي بأنماط حياة مستوردة وعلاقات اجتماعية مفككة ، وتقدم صوراً مبهرجة لمنازل فخمة وسيارات فارهة ومظاهر ترف لا تمت لواقع المجتمع العربي بصلة . في أواخر القرن الماضي كانت مسلسلات مثل "الأيام" المقتبس عن رواية طه حسين تقدم رسائل تربوية عميقة عن قيمة العلم والمثابرة ، أما اليوم ، فتتسابق الفضائيات في تقديم برامج الواقع المستنسخة من الغرب ، التي تكرس ثقافة الشهرة السريعة والنجومية الفارغة ، وتختزل النجاح في مظاهر الثراء المادي والشكل الخارجي .
ليست المشكلة في انفتاحنا على ثقافات الآخرين ، فالتلاقح الثقافي ظاهرة صحية تثري التجربة الإنسانية ، المشكلة تكمن في التبني الأعمى لنموذج حياتي غربي ، دون تمحيص أو نقد ، ودون مراعاة لخصوصيتنا الثقافية والدينية ، إننا نستورد القشور ونترك اللباب ، نأخذ المظاهر ونتجاهل الجوهر . لنتأمل كيف كانت مسلسلات مثل "الشهد والدموع" و"لن أعيش في جلباب أبي" تناقش قضايا اجتماعية حقيقية ، وتعالج صراعات الأجيال والتحديات الأسرية مع الحفاظ على القيم الأصيلة ، كانت تلك الدراما مرآة للمجتمع وأداة للإصلاح والتوعية ، بينما تحولت دراما اليوم إلى وسيلة لتسويق نمط الحياة الاستهلاكي وقيم العولمة الرأسمالية .
علينا أن نستعيد روح مسلسلات الثمانينات التي كانت تعزز الانتماء والهوية ، دون أن نتجاهل متطلبات العصر وتقنياته الحديثة ، الحل ليس في الانغلاق على الذات ، بل في انتقاء ما يناسبنا من الثقافات الأخرى ، وتطويعه بما يتلاءم مع قيمنا وتطلعاتنا ، ليكون التلفاز منبراً للتنوير والارتقاء ، لا جسراً للاستلاب الثقافي والذوبان في الآخر .
حيدر فليح الشمري : كاتب صحفي
حكمة
كنت أظن أني أفهم الحياة، حتى قابلت رجلًا عجوزًا، جلس بهدوء، وقال لي: "الحياة لا تُهزمك، أنت من تسلّمها سلاحك." ثم ابتسم، واختفى من زحام الطريق، إليك القواعد التي خبأتها الحياة عنك، لن تعيش مرة واحدة… بل تموت مرة، وتعيش كل يوم، فاجعل كل يوم يستحق أن يُعاش، النجاة ليست للقوي دائمًا… بل لمن يفهم متى يختبئ ومتى يهجم، الحكمة أقوى من القوة يُداوي شيئًا، لكنه يُعلّمك أن تتوقف عن النزيف، الألم يمر، لكن الدرس يبقى.
الناس لا تتغيّر بل الأقنعة تسقط، صدّق الفعل، ولا تبرر النوايا، أكبر خيانة ترتكبها؟ أن تُخالف حدسك لترضي الآخرين، حدسك أصدق من ألف نصيحة، أحيانًا ما يُكسر في داخلك، هو ما يحرّرك، الانهيارات بداية الطرق الحقيقية، لا تُحارب كل معركة، بعض المعارك فخاخ.، الانسحاب ذكاء، لا جبنمن ، يحترم وقتك… لا يحترمك، وقتك هو حياتك، فلا تهدره في انتظار من لا يستحق. الوحدة أحيانًا… علاج، لا لعنة، الهدوء يبنيك أكثر من الضجيج، تُعلّمك بالمجان… بل تأخذ أولًا ثم تُعطي، فإما أن تتعلم، أو تدفع الثمن كل مرة من جديد، الرجل العجوز لم يُطِل الكلام، لكن كلماته كانت مرآة، أظهرت لي وجهي الحقيقي لأول مرة.
راجح محمد
الشغف حياة -١
في حياة كل إنسان شغفٌ بشيءٍ ما، والحياة نفسها شغف، وإلا فما الذي يجعل المرء متمسكاً بحياته راغباً في أعماقه أن يعيش كثيراً ويصبح من المعمرين، وهل لم يحلم أحدنا ذات يوم – في طفولته على الأقل- أن يعيش طويلاً؟! الأعمار بيد الله طبعاً، على أن تمسكنا بالحياة هو لاشك ثمرة الشغف بالحياة نفسها وهو شغف طبيعي يسميه علماء النفس والبيولوجيا "غريزة حب البقاء" ولولا هذه الغريزة لعَمَّ الخراب كل شبر في العالم، وانعدمت الحاجة إلى الأمن والغذاء والكساء والدواء والأعمال المختلفة، ولا يمكن للإنسان أن يضحي بحياته إلا إذا كان لديه مبدأ عظيم جداً تهون من أجله الحياة أو يكون من فاقدي الشغف بسبب الخبرات الأليمة. فتحت ضغط الاكتئاب الشديد تنشأ الأفكار السوداء والضلالات ويقبل الإنسان على إنهاء حياته وهو أمر لا يمكن فهمه إلا أنه حصيلة مرض نفسي فَتَّاك أو ضعف إيمان، وبالتأكيد هو نتيجة لفقدان الشغف. وإذا كانت الحياة بحد ذاتها شغف، فإن إتقان العمل والنجاح فيه هو حالة من الشغف، وأي عامل لا يحب عمله فإنه بالتأكيد لن يبدع فيه ويكون نجاحه - إن نجح- باهتاً بلا طعم، فهو يعمل المطلوب منه كارهاً لأن هذا العمل هو المتاح بالنسبة له، وتراه يعيش كل يوم حالة من الألم والشعور بالقهر، وبالتالي تتولد عنده عقد نفسية مكبوتة تتجلى في تعاملاته الجافة مع الآخرين، ورغبته في تعقيد أمورهم إن تعلقت مصالحهم به، وشعوره باللذة والسعادة حين يرهقهم ويدخل عليهم الكدر والهم لا لشيء إلا لأن مصلحتهم في يده. فهذا الشخص بهذه المواصفات معقد، لأنه لم يكن يرغب في مهنته التي يَتَعَيَّش منها ولأنه مجبر عليها، فهو يخرج عصارة قهره على الناس ويصعب عليهم أمورهم، وكل هذا من فقدان الشغف. فالشغف إذن أمر ضروري وإلا فكيف يمكن للإنسان أن يعيش ويعمل ويتزوج بدون شغف؟؟ ونظرة سريعة إلى كثير من البيوت التي تخلو من الحب المتبادل بين الزوجين تجعلنا ندرك أن فقدان الشغف - الحب جدير بتحويل الحياة الزوجية إلى سلسلة متصلة من السخافات وهذا في أحسن الأحوال، لأن فقدان الشغف بين الزوجين يؤدي إلى مشاكل كثيرة وكوارث، وكيف يمكن لأي بيت في العالم أن يستمر إذا جف نبع الحب بين الزوجين أو لم يكن موجوداً من الأساس؟!
إذن نصل مما سبق إلى أن العمل والزواج، كلاهما شغف، وهناك شغف ثالث وهو شغف الفنان وحبه الكبير لفنه، ورغبته الدائمة في الإبداع والوصول إلى ذروة الجمال والخلق الفني الذي يجعل للحياة معنى ويفتح آفاقاً للإنسان تعينه على الاستمرار في حياته بلا ملل ولا سخف ولا قبح ولا انزعاج أو ضجر أو طاقة سلبية تجعله وحشاً آدمياً يمتلئ بأمراض الأنانية والحقد والتشاؤم والرغبة في الشر. فالفن ضرورة حياتية وليس رفاهية لا يقدر عليها إلا الأغنياء، ولابد أن يكون الفن للجميع، ومن هنا يصبح ارتفاع المقابل المادي للروايات والقصص واللوحات أمراً مؤسفاً، ولهذا تعمل الدول المتقدمة على دعم الفن بكل أنواعه، مكتوباً أو مرسوماً، مرئياً أو مسموعاً، كما أن هذه الدول ترعى الحركة الفنية في المسارح ودور السينما، ودولة الإمارات العربية المتحدة خير مثال على ذلك بالطبع.
حاتم السروي
المعرفة نعمة
صرح نقيب الفلاحين في إحدى الدول العربية أن الفاكهة في عندهم أرخص سعراً في العالم، وأضاف أن البطيخ يباع "بالشقة" يقصد جزء منها، وأن الموز والتفاح يباع بالواحدة، وهذا فعلا موجود في جميع الدول المتحضرة، لكن ماتزال دولته منتشر فيها البيع بالكيلو، والباعة لا يقبلون ببيع نصف كيلو أو بالحبة، بحجة الميزان لا يكون منصفا للبائع، كل ما ورد في تصريحه صحيح .
النقيب حين قال إأن الفاكهة رخيصة حكم عليها بالعملة المقابلة لعملته، وغفل أن الفاكهة والسلع تباع في دولته غالية جداً مقياساً لدخل الفرد، وحسب ما ورد في كلامه أن المقارنة بين دولته ودول العالم فهم الأقل سعرا، وغفل أن سعر البطيخة مثلا بـ ١٢٠ جنيهاً في حين أنها بـعشر دراهم وحسب أنها رخيصة في الخارج ونسي الدخل بين الدولتين، وتناسى أن هذه الدول المتطورة نشرت الوعي وثقافة شراء الحاجة فقط، لذا اعتمد الجميع على شراء قطعة واحدة فقط وهى احتياجه، فهذه ثقافة وأسلوب حياة ونمط محمود في علم الاستهلاك، وفي الحقيقة مفيد لولي الأمر الذي لا يستطيع شراء كيلو كامل أن يشتري قطعة أو اثنين للأبناء، فعلى النقيب أن يدرس ويتعلم فليس من الضروري أن يثبت جهله ليكون نقيب الفلاحين.
حمادة الجنايني
حبات العقيق
صرتُ جوّابا التَقِطُ حباتَ العقيق
وأنثر الحب للقمر
لذلك العمر العتيق
ترى كيف صار ما صار
وطوتني المسافات
في ليال تزخر بالهم بلا خل
دونما حتى رفيق
صار يرتقي
في رفقتي
ذات الطريق
يشدو لي أشياءه التي لا يعوزها سوى الأوتار
أراه ناطقاً في الحجر
مسلوب البريق
من سيقرأني ؟
من سيملأ النهر ً ؟
من سيعمدني !
ومن للبساتين المفتوحة غيري
البساتين التي منحتنا البرتقال والليل الطليق
منحتنا دروبا لا تنتهي
منحتنا
في ليلها القديم شموسا جديدة
لولاها
لا ندري
على ماذا كنا سنستفيق
صرت جوّاباً
والقيت عنده الأن مرساتي
ومن اقصى العراق
اتيت آخر
هو الشاعر الصديق
ياسين القيسي : شاعر