رئيس الدولة ومحمد بن راشد: الإمارات دولة استثنائية ومركز اقتصادي عالمي
آراء الكتاب
مساحة نستعرض فيها الأفكار والإبداع بهدف إثراء الحياة الثقافية يعبر القارىء فيها عن رأيه ولا يمثل وجهة نظر الصحيفة نتلقى مشاركتكم عبر الايميل
abdalmaqsud@hotmail.com
دوافع النجاح
لا يوجد شخص في العالم لا يسعى إلى النجاح، لكن تظل هناك بعض الدوافع والمعايير التي ينبغي تحقيقها والسعي لتنفيذها، سنذكر دافعا واحدا مهما وهو البيت، لا يوجد نجاح بدون مسكن، الأول يكون في بيت أي نقطة انطلاق حقيقية من مركز الكون للفرد، المنزل هو الاستقرار وبداية المشوار وتحقيق الهدف.
البيت يعني الأمان والاستقرار والاطمئنان، فمن دون هذا البيت لا يتحقق قيد أنملة من الهدف، عمرنا ما سمعنا عن شخص نجح وهو يدرس تحت كبري أو بجوار سور حديقة، إذا أردت أن تحدثني عن النجاح حدثني عن استقرار البيت، لا يهم مظهر البيت وتكوينه ومكانه، ليس مهما فيلا أو قصرا أو كوخا أو بيتا بالطوب اللبن، ليس مهم الحمامات على أحدث طراز أو حمام بلدي، ليس مهم كم غرفة ومظهره الخارجي، المهم أن يكون في بيت سكن راحة ودفء.
إذا طالب لديه بيت وأسرة مستقرة وفي تفاهم بين الوالدين، كان الأمر ممهدا وسهلا والهدف مضمون، لأن بيت غير مستقر فلا يسمع بيت فالبيوت أنواع ومنها بيت العنكبوت، فالمقصود من البيت هو بيت الأمان والاستقرار، حتى بيت الزوجية إذا به الأمان انطلق منه النجاح والتقدم والتألق.
أتعس بيوت لا تحقق نجاحاً تلك البيوت التي أهلها غير مستقرين ودائمو التفكير في الانتقال لمنزل آخر، مجرد وجود هذه الفكرة بالعقل، تجعل النفسية مضطربة وغير مستقرة ودائمة التحدث في الغيب فلم تهتم بالبيت ولا تجديده ولا تصميمه أو حتى زرع وردة بداخله، فيتحول البيت إلى كهف يصدر طاقة سلبية يهدد سكانه ويحيطهم بالخوف وعدم القدرة على النجاح، يوحي بالكسل والإرهاق واليأس، أما تزيينه واستخدامه كبيت دائم لأن ينتقلوا منه سيكون مصدرا للحيوية لدفع عجلة النجاح.
علاء رياض
ما نتمناه
نفتقد في ملاعبنا الروح الرياضية بعد كل مباراة، بل يبدأ جمهور الفريق الفائز بالتحفيل على الفريق المهزوم، ويزداد التراشق بين الجمهورين على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا موجود في جميع دوريات العالم، فالمنافسة موجود لكنها تتحول لحرب كلامية وتكسير عظام وأسلوب تشتيت نفسي من خلال إعلام كل فريق، غير الاستوديو التحليلي الذي يحمس الجماهير ويتسبب في فتنة كبرى بينهم، والغريب أن المباراة مدتها لا تتجاوز الساعة والنصف والتحليل يمتد إلى أربع ساعات قبل وبين وبعد المباراة، وبعض المحللن مع أنهم لاعبون سابقون إلا أنهم لا يفهمون في التحليل وأقل مشجع يعرف أفضل منهم.
الحكاية ليست في التحليل الراقي أو المنطقي العادل، ولكن المشكلة في الهجوم غير المبرر على الفريق الخصم والتقليل من شأنه ومن لاعبيه ومدربه بكلمات لا تليق بالمرة على الشاشة، وهؤلاء يوجهون الرأي العام ويحفزون الجمهور للنيل من اللاعبين، حتى أننا شاهدنا أحد مقدمي البرامج الرياضية ينشر صورة منزل لاعب انتقل من ناديه لناد منافس، نشر العنوان في حد ذاته يعتبر تحريضا على أذى اللاعب والنيل منه. لكن الصورة التي نتمنى أن نراها في ملاعبنا، المشهد الذي حدث بعد نهاية مباراة الأهلي المصري وصن داونز الجنوب افريقي، مشهد جميل يدعو للتفاؤل عندما ذهب أعضاء الفريقين للسلام بحرارة وبالأحضان مع بعض، حارسا الفريقين وقفا معا بكل ود وأريحية مما انعكس على الجمهور الذي أبدى سعادته بالمنظر المشرف الذي جسد معنى الرياضة، فهي لقطة عابرة لا تتعدى الدقائق المعدودة، لكنها ستظل في الذاكرة ونرجو طول الوقت أن يتكرر هذا المشهد باستمرار، لأننا كجمهور نعلم أن هؤلاء اللاعبين خارج الملعب تربطهم صداقات وود ولديهم علاقات أسرية وجلسات، لكن الغضب في الملعب عبارة عن (شو) المقصود منه التفاعل مع جمهوره حتى لا يخسره.
رفاعي محمد راشد
الطلاق
تغيرت بعض المفاهيم في الأونة الأخيرة بسبب المتغيرات الاجتماعية، فمنها على سبيل المثال فكرة الطلاق التي كانت الهاجس الأساسي عند العائلات، من الطرفين الرجل والمرأة والتدخل للحل أو يرضخ أحد الطرفين لاستمرار الحياة وبقاء الأسرة وتماسكها من أجل الأطفال، أو إحراج من المجتمع وأولادهم إذا كانوا كباراً، والطلاق كان مقتصرا على بعض الفئات في المجتمع لكن الأغلبية العظمة كانت تعيش لعدم هدم الأسرة.
وفي وقتنا الحالي الطلاق أصبح موضة، والغريب أنه لم يستغرق عاما أو عامين ويتم الطلاق بكل بساطة وتحت رعاية العائلات، ونسبته ارتفعت جداً وقضايا الخلع والرؤية والمحاكم تعج بهذه المشاكل أمام أنظار المجتمع، والشاهد أن فكر المجتمع والافراد تغير لمتغيرات اقتصادية واجتماعية وإعلامية، حيث أن البيئة تغيرت وصارت تحث على الطلاق إما لضيق الرزق والمال والبطالة وغلاء المعيشة أو للمقارنات المستمرة في محيط العائلات أو الأصدقاء، فسقف الطلبات والاحتياجات ارتفع جداً لدرجة المغالاة في الحلم.
وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي على زيادة هذه الظاهرة، فالعالم بالفعل أصبح قرية صغيرة يستدعيها الفرد من خلال الهاتف، والجميع ينشر تحركاته على صفحاته، لدرجة أن البيوت جدرانها صارت من زجاج، كلها مكشوفة والصور والفيديوهات تبث على المباشر، فتجد الزوجة صديقتها في جزر المالديف أو تعرض هدية زواجها أو وردة أهداها لها زوجها، وكل هذه الأفعال لم يستطع الزوج تحقيقها لأن ظروفه مختلفة عن ظروف زوج صديقتها، فتحدث المقارنات والضغط الكبير على الزوج، فيشعر بالنقص والدونية فيكون أمامه حل وحيد بدلاً من الانتحار هو الطلاق ليضمن عدم شعوره بالدونية.
لحظة الضيق والمقارنة أو عدم الراحة في وجود الزوجة في بيت عائلة الزوج، يعكر من إحساس الزوجة بالراحة وأنها طوال الوقت مراقبة ومحسوب عليها كل نفس، حتى تربيتها لأبنائها تتطلب عدم سبهم بأبيهم والحذر من الكلام الذي يحمل معاني، بالإضافة إلى خدمة الحماة وتلبية رغباتها ولو لم تكن الزوجة خادمة بإرادتها لكانت خادمة بالتهديد وخراب البيت وطلاقها، والزوجة التي تحترم نفسها ولا ترضى تطلب الطلاق بكل سهولة لأن الموضةع سهل وبسيط ومتكرر، فليس له ضوابط ولا تفكير في النتائج وما يترتب عليه من دمار للأجيال وتشوه لسلوكياتهم.
على الدول أن تجد حلولاً لهذه المعضلات الجسيمة، من خلال انتشار الوعي من خلال مراكز التدريب المتخصصة والدورات في علم الاجتماع ووضع الحلول المستقبلية المحتمل حدوثها من خلال التجارب التي تمر على هذه المراكز، والسماح بفترة الخطوبة بتقارب الطرفين والتركيز على السلوكيات المشتركة لتعميق التفاهم واستمرار الحياة، بهدف استقرار وهدوء المجتمع وضمان عدم ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعاتنا.
حمادة الجنايني
إنسانية الإنسان وارتقاؤه
يرى البعض أن الإنسان ليس إلا حيواناً يشبه الحيوانات الثديية العليا، ويقررون بلا أدلة يقينية وافية أن حياته النفسية تشبه حياة القردة العليا "الغوريلا- الشمبانزي" ولا تختلف عنها إلا من حيث الدرجة، بل إنهم يؤكدون على أن الذكاء البشري ليس إلا صورة راقية للذكاء عند هذا النوع من القرود!!
غير أن العلم والعقل يثبتان معاً كثيراً من الفوارق في الذكاء عند الإنسان وعند نوعية القرود المذكورة، فمن المؤكد أن أكثر الحيوانات ذكاءً ليست أذكى من الإنسان ولا تعرف القلق مثله، وليس لديها أي قدرة على اختزان الصور البصرية والأصوات المسموعة، كما أنها لا ترث عن أسلافها عادات أو تراثاً والتقاليد والتراث خصيصة إنسانية بامتياز، ويضاف إلى ما سبق أن القرود والحيوانات عموماً لا تستطيع أن ترى ما في الأشياء من جوانب مبكية أو مضحكة، والحيوان كما نعرف جميعاً ليس له مبدأ أو عقيدة وبالتالي فهو لا يستطيع أن يضحي في سبيل مبادئه، ولا يعرف معنى الوطن والعرض فكل هذه مفاهيم إنسانية خالصة
والإنسان وحده يملك القدرة على الإبداع والتفنن، فلن تجد حيواناً يكتب الرواية أو يلحن مقطوعة موسيقية أو يرسم لوحة، أما الحيوان فإنه لا يدرك معنى الفن ولا يستطيع حتى أن يحدد المشاكل – إن وُجِدَت- بمعناها الحقيقي ولا يملك القدرة على مواجهة هذه المشاكل وحلها، ولا يجب أن ننسى الحقيقة الخالدة وهي أن الإنسان كائن أخلاقي، فهو الوحيد الذي لا يقنع بما هو قائم من الفساد بل يعمل على إصلاحه باستمرار وتجاوزه إلى ما يجب أن يكون، ويختلف الحيوان عن الإنسان من جهة انعدام قدرته على التصور وجهله بالممكنات وعدم تجاوزه لحدود الواقع
في حين يمزج الإنسان بين الواقع والمثل الأعلى ويجمع بين غريزته وأخلاقه، ويعرف معنى القيم ولهذا يعمل من أجل الوصول إلى الكمال، وهو بالطبع لا يصل إلى هذا الكمال لكن يكفيه أنه يحاول الوصول إليه، ويتميز الإنسان بقدرته على الصناعة الدالة على قدرته على الابتكار ومن ثم يدل الابتكار على ذكاءه الكبير، والإنسان يعرف قيمة العمل وأعماله تخضع لتنظيم عقلي أما الحيوان فهو لا يدرك ما للعمل من قيمة وهو يعمل فقط من أجل إشباع غرائزه والحصول على طعامه من أجل البقاء.
ويتميز الإنسان بانتصاب قامته وقدرة يديه على الإمساك والتصنيع والكتابة، وقد ساعدته الآلات التي اخترعها في تحدي المؤثرات الطبيعية والعوائق المادية، فباختراعه للكتب والطباعة ثم الانترنت أمكنه أن يعرف تفاصيل البلاد البعيدة عنه، والمواصلات التي اخترعها قربت المسافات واختصرت له الوقت، والطائرات عوضته عن عجزه عن الطيران.
ولا يصح لنا القول بأن التكنولوجيا كانت نكبة على الإنسان فالآلة بحد ذاتها ليست شراً بل هي خير لأنها نافعة، وتصبح شراً إذا أسأنا استخدامها أو وجهناها لما فيه ضرر لنا، فالإنسان كائن عظيم إذا فهم معنى إنسانيته ومغزى وجوده وإذا تجاوز واقعه بالتصوير السليم والتخطيط المحكم والعمل الجاد المبني على العلم
حاتم السروي
الإمارات في عيون من اجتهد
ليست الإمارات مجرد وطنٍ احتضننا، بل هي حكايةُ نورٍ بدت لكل من جاءها حاملاً في قلبه حلمًا، وفي عينيه رجاءً، وفي روحه طموحًا لن ينكسر، ولن يخيب بإذن الله تعالى، فهي الأرض التي لم تسأل عن الاسم، حين قرأت العزيمة في الوجوه، وآمنت بالجهد، واحتفت بالعطاء، في الإمارات لم أكن غريبة، بل شعرت بأنني ابنة الدار، أتنفس من هوائها الطموح، وأمشي في دروبها بثقة من يعرف أن للحلم موعدا قريبا، هي لم تكن في عينيّ فقط، بل تألقت في عيون كل من اجتهد ووجد، في عيون المعلم، والطبيب، والمبدع، والفنان، وفي قلب كل أمٍّ باتت مطمئنة، وكل طفلٍ يرى مستقبله واضحًا بين يديه.
منحت هذه الدولة الجميع الفرص الغالية ليثبتوا أنفسهم ويتحدوا ويستثمروا الزمن ليواكبوا الإبداع والمبدعين، هذه الدولة الكريمة المحفزة للأدباء منحتني الإقامة الذهبية لأكتب، وأقدّم، وأرفع راية الكلمة والسلام ، والفكر النبيل، وهبَتني الإقامة الذهبية لا تكريمًا فقط، بل اعتراف بأن العطاء لا يُقاس بالجنسية بل بالإنسانية، “دبي" ساوت بين الاستثمار المالي والاستثمار الفكري.
عندما كنت أتقدّم بطلب الإقامة الذهبية التي كرّمتني بها دولة الإمارات، كنت أشاهد رجال الأعمال يتقدمون للحصول عليها عبر استثماراتهم ومشاريعهم الناجحة، وهو ما يستحقونه بكل جدارة، لكن ما كان ملهمًا بحق، أن تُمنح هذه الإقامة أيضًا لأصحاب الفكر والإبداع ، الذين قد لا يملكون رأس مال ، لكنهم يملكون كنزًا من الأفكار، والتجارب، والمبادرات التي تصنع الأثر وتلهم المجتمعات
لقد ساوت دبي بين من استثمروا بالمال، ومن استثمروا بالعلم والثقافة، ونحن لم نكن أقل منهم، بل حصلنا عليها بكل فخر، بكل تقدير وتشريف، لأننا حملنا فكرًا نيرًا، وقيمًا راقية، ورسالة تستحق أن تُحتضنا، لإقامة الذهبية لم تكن مجرد وثيقة، بل كانت شهادة إيمان بعقولنا، "دبي" هذه المدينة التي أدركت أن العقل هو أثمن رأس مال، استثمرت في المبدعين كما تستثمر في المشاريع، وقدّمت لنا أروع هدية: الثقة، والفرص، والبيئة التي تحفّز على الإبداع وتحمي الحلم، الإمارات ليست فقط وطنًا، بل قصة نجاح يتقاطع فيها الطموح مع الأمل، وتلتقي فيها الإرادة مع التكريم.
رنا شريف: كاتبة
الأراجوز
الأراجوز لمن لم يعرفه، هو دمية صممت بشكل هزلي فوق رأسها طربوش على شكل مخروط، ملابسه عبارة عن جلباب بألوان مزركشة ليتمكن صانعه من إدخال يده ووضع اصبعي السبابة والإبهام في ذراعي الأراجوز لسهولة المحاكاة .
صانع الأرجوز يختفي عن الجمهور في صندوق به فتحة على ارتفاع متر تقريبا تمثل خشبة المسرح وستارة حمراء تغلق الضلع المفتوح، صانع الأراجوز يتحدث بصوت مغاير فيه حس فكاهي ليجذب الأطفال ويقدم لهم رسالة تربوية عن احترام الكبير وغيرها من الرسائل الإيجابية، لكن اليوم اختلفت نظرتنا للأراجوز في الشكل والمظهر، لكن يظل صانع الأرجوز موجودا يحرك أشخاص اعتباريين مثل المشخصاتي الذي خرج علينا الأسبوع الماضي مرتديا بدلة رقص وقدم فقرة هزلية على مسرح في أمريكا، لكن رسالته سلبية وشكله مقزز وحركاته منزوع منها روح الرجولة، كان يرقص وكأنه العروسة الميونيت الموجودة في استعراض الليلة الكبيرة، وتتحرك بخيط في يد صانعها .
المشخصاتي لم يرتق لمنزلة الأراجوز القديم، لكن تربطهما نفس الخصائص فالمحرك واحد اختيار اللبس والمحتوى واحد، لكنهما أداة في يد المحرك الأساسي صاحب الإرادة والقوة، وبعد العرض وتعب صانعهم يلف على الجمهور لجمع النقود مقابل المشاهدة، والمشخصاتي يجلس كخرقة منتظر عطف صانعه بأن يسمح له بالكلام أو الخروج.
الموضوع أكبر من المشخصاتي بكثير، لأنه يخدم أجندة معينة تملي عليه من صٌناعه، والدليل إهانة علم بلده واستخدام عملة معدنية بأسلوب رخيص، وهذه المخالفات لابد أن يحاسب عليها قانوناً، لكن هل يحاسب الأراجوز، فالأراجوز أداة والأداة لا تحاسب ومن يحاسب هو صانعه وصانعه مخفي في الصندوق ولا نعرفه إلا من خلال صوته وأفعاله وبعض طقوسه المريبة التي تحتوي على أرقام وخيالات
ذهب بعض المحلليلن والمطلعين إلى أن هذه النوعية من البشر تجدد الولاء والعهد للجهات الممولة بهذه الأفعال المشينة، منهم من يلبس حلقاً في أذن واحدة أو يخرج عارياً أو يلبس بدلة رقص نسائية، ومنهم من يرتدي علامات ويمارس طقوساً تمثل هذه الجهات ليحصل على النجاح المزيف والأموال الكثيرة، وبذلك يظل واحداً من مجموعة كبيرة تفسد في الأرض لهدم القيم النبيلة.
خالد سالم
رحلة الشباب عبر زمنين
يقف شباب اليوم متأملين بين ماضٍ غادروه وحاضرٍ يعيشونه ، كانوا بالأمس القريب يتجاذبون أطراف الحديث في المقاهي والمنتديات ، واليوم أصبحوا رواد العالم الافتراضي بامتياز ، كانت الكتب الورقية منبع المعرفة ، واليوم أصبحت شاشات الهواتف الذكية بوابة للعالم بأسره .
لم يعد الشاب المعاصر يحتاج إلى السفر لاكتشاف ثقافات الآخرين ، فقد أصبح الكون قرية صغيرة يجوب أرجاءها بنقرة زر ، ورغم هذه الفجوة التكنولوجية الهائلة بين الجيلين ، تظل التجارب البشرية ومحطات النضج متشابهة في جوهرها ؛ حلم الذات ، وسعي النفس نحو تحقيق الطموح ، ومعرفة الذات .
بين صفحات التاريخ المطوية ، يمكن للشباب اليوم أن يستخلصوا الدروس الثمينة ، فجيل الأمس صنع المعجزات بأدوات بسيطة ، وتكيف مع ظروف قاسية ، وعلمنا أن الإرادة هي سر النجاح ، كم من قصص الكفاح التي يرويها الآباء والأجداد تمثل كنزاً معرفياً لا يقدر بثمن .!
الشباب اليوم يمتلكون ميزة فريدة : يستطيعون استلهام حكمة الماضي مع امتلاك أدوات العصر ، يأخذون من الماضي قيم الصبر والمثابرة والتواصل الإنساني الحقيقي ، ويضيفون إليها سرعة الوصول للمعلومة والتواصل العالمي وتعدد الفرص .
إن الشاب الواعي هو من يعرف أن تجارب الأمس ليست أغلالاً تكبله ، بل مصابيح تنير دربه ، يستفيد من خبرات السابقين ، يختار منها ما يناسب عصره ويطوعها لخدمة مستقبله ، لا يرفض الماضي بحجة التقدم ، ولا يتشبث به بحجة الأصالة ، بل يقف على أكتاف العملاقة ليرى أبعد .
في هذا المزيج الفريد بين خبرات الأمس وتقنيات اليوم ، يكمن سر بناء المستقبل ، فعندما يمتلك الشاب بوصلة القيم الأصيلة ويستخدم تكنولوجيا العصر ، يستطيع أن يبني مستقبلاً يجمع بين أصالة الجذور وحداثة الفروع . وفي هذا السياق ، يقول الدكتور سلطان العميمي ، الكاتب والأكاديمي الإماراتي البارز ورئيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات : "شباب اليوم يقفون على مفترق حضاري فريد ، يستطيعون فيه استلهام حكمة الأجداد وتوظيف أدوات العصر معاً ، الأصالة ليست نقيضاً للمعاصرة ، بل هي جذور راسخة تمكّن أشجار المستقبل من الارتفاع أكثر نحو آفاق جديدة" . وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه شباب اليوم : كيف نأخذ من الماضي عبقه دون أن نعيش فيه ، وكيف نعيش الحاضر بكل تطوراته دون أن نفقد هويتنا .
حيدر فليح الشمري: كاتب صحفي